للكاتب محمد الحسيني
يشكل الانهيار السريع لنظام الأسد حدثاً دراماتيكياً آخر، وربما ليس الأخير، ضمن حلقة التغيير الجيوسياسي التي ما زالت تعصف بالشرق الأوسط، منذ تاريخ السابع من أكتوبر العام المنصرم، وما نتج عنه من تداعيات إقليمية ودولية، مروراً بالمنعطف الأبرز والأخطر وهو اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي أدى استشهاده إلى سقوط مدوي لمحور المقاومة وبداية للانكسار الاستراتيجي في مواجهة التحالف الأمريكي-الصهيوني، وذلك بغض النظر عن البطولات والتضحيات التي سطرها المقاومون اللبنانيون في الجبهة الجنوبية للبنان، حين نجحوا في كبح جماح تقدم القوات البرية المعادية على هذا المحور، مما أدى إلى أمرين أولهما وقف هش لإطلاق النار، وثانيهما محاولة العدو القيام بالالتفاف على لبنان عبر المحور السوري مستفيداً من الفوضى السياسية والعسكرية التي أصابت دمشق.
وضمن عملية عسكرية واسعة أطلق عليها تسمية توراتية وهي “سهم الباشان”. حيث توغل في الأراضي السورية وصولاً إلى الديماس من محافظة ريف دمشق، والتي تقع على بعد 25 كم غرب العاصمة على طريق دمشق-بيروت القديم عند سفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية. ناهيك عن توارد معلومات حول هبوط طائرات مروحية أمريكية وإسرائيلية في عدة مواقع بجبال القلمون في ريف دمشق، ودخول الجنود الأمريكيين والإسرائيليين لمواقع عسكرية سورية في تلك المنطقة، ليتزامن هذا الإنزال، في توقيت مشبوه، مع إعلان “هيئة تحرير الشام”، عن اكتشاف نفق ضخم في منطقة القطيفة من سلسلة جبال القلمون شمال العاصمة دمشق.
وسبق كل هذا قيام القوات الجوية الصهيونية بمهاجمة ترسانة الجيش العربي السوري، فدمرت خلال ثلاثة أيام جميع الطائرات الحربية، والدبابات وأنظمة الدفاع الجوي والقطع البحرية السورية، إضافة إلى مصانع إنتاج الأسلحة المتقدمة، عدا عن عمليات الاغتيال الغامضة بحق علماء سوريين، كل هذا بحجة عدم تعريض أمن إسرائيل للخطر، في حال وقوع هذه الأسلحة بأيدي فصائل مقاومة، وذلك على مرأى ومسمع من دول العالم كافة، ومن فوق رؤوس الحكام الجدد لسوريا وحلفائهم الذين لم يصدروا حتى بيان استنكار أو إدانة، وكأن ما تدمّره إسرائيل هي منشآت عدوّة لا تملكها الدولة السورية، على الرغم من دعوة الجولاني “المبتورة” بالحفاظ على الممتلكات العامة.
ومما يضع هذه الاستهدافات في خانة التساؤل المريب إن في توقيتها أو من حيث حجمها أو في ترابطها التاريخي مع ما حصل للجيشين العراقي والليبي، وبما سينتج عنه من تداعيات أمنية على الأنظمة العربية كافة… وصحيح أن العدو كان قادراً على تنفيذ هذه الهجمات قبل سقوط النظام، لكن واقع العلاقات الاستراتيجية والتاريخية فيما بين روسيا وسوريا، ينطوي على الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات العسكرية والأمنية، التي فرضت على روسيا في حال وقوع هكذا عدوان إلى المبادرة في إعادة تسليح الجيش السوري، فضلاً في أن المحظورات الروسية على اسرائيل ذات مؤشر مرتفع للغاية لجهة التحذير من مغبة القيام بتدمير ترسانة سلاح روسي الصنع بواسطة سلاح أمريكي المنشأ على أراض لدولة حليفة لها، وتحديداً قبل حربها ضد أوكرانيا.
و تبقى أن الأهداف والأسباب الكامنة خلف عملية “سهم الباشان” عديدة أبرزها: إغلاق طريق الإمداد الايراني البري والجوي نهائياً في سوريا لكل من حزب الله وحركة حماس، عدا عن الأهمية الجغرافية واللوجستية والاستراتيجية التي تتميز بها سوريا بالنسبة لإيران، كونها حلقة وصل على البحر الأبيض المتوسط، وواجهة ضد الكيان ووسيط ضروري للقدرة على إعادة بناء القوة العسكرية لحزب الله في لبنان. ومن ضمنها أيضاً محاولة إغلاق الأنفاق، لاسيما تلك التي يعتقد العدو أنها منتشرة عند الحدود الشرقية للبنان مع سوريا، والأخطر في هذا السيناريو الصهيوني هو محاولة القيام في ما قد تعجز عنه جماعات النظام الجديد من تطويق للمقاومة قبل انتهاء هدنة ال60 يوماً، وذلك من خلال استمرار التوغل على امتداد الحدود الشرقية للبنان في محاولة لضمان الترتيبات الجديدة للمنطقة قبل دخول ترامب للبيت الأبيض.
وتشير المؤشرات بأن المعارضة يغلب عليها الطابع الإسلامي، على الرغم من الدعم الاسرائيلي الذي تلقاه البعض منها، فإن إسرائيل تعيش قلقاً حقيقياً تجاه التطورات في سوريا وسلوك السلطة الجديدة التي مازالت قيد التشكل، إذ لا يُعرف بعد ما إذا كانت ستلتزم بالحفاظ على الأمر الواقع في الجولان أم قد تفكر -خلال وقت لاحق- في تدشين جبهة مقاومة أخرى لاستعادة المنطقة المحتلة منذ عام 1967. وهذا ما دفع بالعدو إلى استباق المفاجآت التي قد تحصل في دمشق من خلال فرض أمر واقع جديد في تهديد واضح لسوريا الجديدة، إمّا التطبيع أو دخول العاصمة دمشق؟ فالهروب الدائم نحو الأمام لنتانياهو ودائماً باتجاه الحرب في ظل الملاحقات القضائية الدولية والداخلية له، واضعاً إيران كهدف من بعد سوريا.