للكاتب محمد ولد الراظي
قد تهزم الجيوش على خطوط القتال وقد تخسر مواقع وقد تتراجع بعيدا داخل أراضيها ولكنها تبقى قائمة و لا تنتهي الجيوش إلا بقرار ونادرا ما يحصل ذلك وإن حصل فلغايات استراتيجية كبيرة يسعى لها المحتلون.والدولة عندما لا يكون لها جيش عامل تفقد أهم ركن من أركان السيادة فتصبح تحت رحمة الجيران قويهم وضعيفهم يتناهشونها كلٌ يقضم ما قدر عليه وتكون أيضا عرضة للإضطرابات الداخلية والهزات المجتمعية لأتفه الأسباب ، لا حاضر لها ولا مستقبل إلا ما سيحدده من تكون له الغلبة من الجيران.
فقد سقطت دمشق بشكل سريالي لم يتوقعه أحد من السوريين ولا من غيرهم ولكنها سقطت وسيطرت مجاميع من السوريين وغير السوريين يربطهم خيط ناظم واحد أنهم جميعا يعودون لمرجعية الإسلام السياسي السني أو ما يعرف بحركة الإخوان المسلمين. فقد قدموا من الشمال السوري تحت السيطرة التركية وأخبر رئيس الوزراء أردوغان نفسه عن نيتهم دخول دمشق وهم لما يزالوا في حلب ، فهو صاحب الخطة أن يدرب جيشا كبيرا ويمده بالعتاد والخبرات وهو صاحب الفعل أن يحتل الشام فيكون على تواصل جغرافي مع إسرائيل وعلى تواصل جغرافي مع العراق .
فالتٌماس مع إسرائيل يعطي تركيا أوراقا عدة للمساومة بها مع الولايات المتحدة في الشؤون الإقليمية والتٌماس مع العراق يعطيها أوراقا عديدة في وجه إيران ويمنحها قوة تأثير في قضايا مهمة للأمن القومي التركي في أذربيجان وكردستان والخليج العربي. كما وان الثنائي القطري-التركي هو الذي دبر ورتب الغزو لسوريا بمساعدة حلفائه في المنطقة والعالم وهذا الثنائي العربي التركي يعني طبعة إسلامية سنية لا عربية خالصة ولا عجمية مما يسهل تسويقها في العالمين، في المنطقة العربية بوجود قطر ورعاية أمريكا وفي العالم التركماني في القوقاز وآسيا الصغرى من خلال الدور المحوري لتركيا.
وستعطي هذه الطبعة من الإسلام السياسي المسلح ورقة إضافية لتركيا توظفها في صراعها القوي والهادئ مع روسيا ويمنحها قيادة ثقل إسلامي سني كبير يمتد من تركيا ويمر بسوريا جنوبا ويصل قطر ويكون منافسا للثقل السعودي في العالم الإسلامي السني ويمَكِّن قطر من مزايا سياسية وستراتيجية كبيرة أولها أن تأمن جارها السعودي الذي لا تكن له ولا يكن لها ودا كبيرا، ومن المؤشرات السياسية الأولى لمثل هذا التصور أن إمارة قطر حين سقطت دمشق كانت أول دولة تعلن عن نيتها إعادة فتح سفارتها في سوريا وجاء الإعلان حتى قبل أن يعلن رسميا عن تشكيلة السلطة الجديدة وأن قناة الجزيرة انصرفت تغطيتها للأحداث نحو الملف السوري فلم تترك شاردة فيه ولا واردة باستثناء أهم ما رافقه وأخطر ما جاء معه من اجتياح الصهائنة للجولان وجبل الشيخ والمنطقة العازلة.
فعلاقة تركيا بقطر علاقة بلدين أحدهما عضو في حلف الأطلسي والآخر يستضيف أكبر قاعدة له خارج أمريكا وعلاقة الدولتين بحركة الإخوان المسلمين علاقة معروفة والدولتان مع ذلك تَقْدران على فعل الشيئ و نقيضه وورقة الإسلام السياسي السني رابحة اليوم في أفق إنعاش مشروع “الدين الإبراهيمي” مع عودة ترامب للسلطة في أمريكا وبعد الهزائم الكبيرة التي تعرض لها الإسلام السياسي الشيعي في لبنان وفي عمقه السوري وانعكاس ذلك على الجبهة الإيرانية. فما هي استراتيجية أردوغان في سوريا والمنطقة ؟ بعيد سقوط الأسد بساعات قامت إسرائيل بأكبر حملة جوية في تاريخها فدمرت القوة العسكرية السورية بكاملها وأصبحت سوريا درداء لا تقدر حتى على تفريق متظاهرين !!!!
فلا يمكن مطلقا أن يحصل مثل هذا الأمر نتيجة صدفة فما هي الأسباب التي قد تكون وراءه ؟ ولماذا تصمت الجماعة الممسكة بالسلطة في دمشق ولا تنبس ببنت شفة أمام اجتياح الدبابات الاسرائيلية للمنطقة العازلة في الجولان وسيطرتها على جبل الشيخ؟ وما هي أجندات الحكام الجدد وما الذي يخدمهم في اقتلاع أسنان القوة السورية؟ وقد تكون تركيا قررت أن تحتل سوريا بالوكالة وأن يكون احتلالها لها من دون عقبات ويكون مأمونا وطويل الأمد وأن لا تكون بسوريا قوة أخرى قد تتمرد على وجودها في مستقبل منظور فإعادة بناء الجيش وتعويض مئات الطائرات وآلاف المدرعات والقطع البحرية والمطارات العسكرية ومراكز البحوث أمور تحتاج لعقود طويلة من الزمن و تحتاج أموالا طائلة لا يمكن الحصول عليها إلا بمعجزة.