أظهرت دراسة جديدة أن استخدام منصات التواصل الاجتماعي لفترات طويلة ليس له أي ارتباط يذكر بمؤشرات الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق والتوتر.
وكشفت دراسة أخرى، نُشرت مؤخرًا، أن الرجال يخاطرون بتطور هواجس غير صحية بشأن اللياقة البدنية إذا أولوا أهمية كبيرة للإعجابات والتعليقات، وفقًا لما نشره موقع New Atlas نقلًا عن دورية New Media & Society.
انتقادات لوسائل التواصل
وفي مجتمع اليوم سريع الخطى، نال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي نصيبه العادل من الانتقادات. على مر السنين، خلصت الدراسات إلى أن التعرض المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يبقي الأشخاص مستيقظين ويصيبهم بالاكتئاب وربما يغير أدمغة الأطفال.
لكن كان هناك رأي مختلف لباحثين من كلية الصحة السكانية بجامعة كيرتن في أستراليا يمكن أن يعيد بعض التألق إلى وسائل التواصل الاجتماعي. ففي دراسة جديدة، توصلوا إلى علاقة قليلة أو معدومة بين الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي ومؤشرات الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق والتوتر.
تأثيرات ضئيلة بشكل موضوعي
وقال كلوي جونز، الباحث الرئيسي في الدراسة، إنه عند الرغبة في “اتخاذ قرارات مستنيرة في هذا المجال، فيجب أن يستند ذلك إلى بيانات عالية الجودة، ويُظهر البحث أنه بشكل موضوعي عند قياس الوقت، الذي يقضيه الشخص على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن التأثيرات تكون ضئيلة أو غير موجودة”.
ونظرًا لأن مواقع الشبكات الاجتماعية المختلفة تقدم محتوى متنوعًا وميزات وتفاعلات خاصة بالمنصة، فقد فحص الباحثون بشكل منفصل العلاقة بين الاضطراب النفسي والمنصات الأكثر استخدامًا وهي فيسبوك وإنستغرام وسناب شات وتيك توك وإكس (تويتر سابقًا). ونظروا أيضًا في تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على التحكم في الانتباه أو القدرة على تخصيص الاهتمام طوعًا لمحفزات معينة مع تجاهل الانحرافات.
وسائل التواصل الأكثر استخدامًا
وشارك في الدراسة 425 متطوعًا. وشملت العينة نسبة 74.7% من الإناث، وكان متوسط أعمارهن يزيد قليلاً عن 22 عامًا. وبدلاً من الاعتماد على التقارير الذاتية، قام الباحثون بقياس استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل موضوعي من خلال فحص الوقت الذي قضاه المشاركون في استخدام منصات فيسبوك وإنستغرام وسناب شات وتيك توك وإكس على هاتف ذكي شخصي على مدار أسبوع واحد.
مقياس الاكتئاب والتوتر
واستخدم الباحثون مقياس الاكتئاب والقلق والتوتر DASS-21، وهو مجموعة من ثلاثة مقاييس للتقرير الذاتي، لقياس الحالات العاطفية للاكتئاب والقلق والتوتر وقياس الضيق النفسي العام للمشاركين. تم قياس التحكم المتعمد من خلال مهمة مضادة للسقوط. في هذه المهمة، يجب على المشاركين قمع الرغبة الانعكاسية في النظر إلى هدف بصري يظهر فجأة في الرؤية المحيطية ويجب عليهم بدلاً من ذلك النظر بعيدًا في الاتجاه المعاكس. بعبارة أخرى إنها حركات سريعة ومتشنجة للعينين لإعادة وضع خط الرؤية على كائن جديد مثير للاهتمام.
ارتباط سلبي ضئيل بالقلق
وعندما قارن الباحثون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مع مستويات الاكتئاب والقلق والتوتر والتحكم في الانتباه لدى المشاركين، توصلوا إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كان مرتبطًا بشكل ضعيف جدًا بالقلق ولم يرتبط بالاكتئاب أو التوتر. واكتشف الباحثون ارتباطًا إيجابيًا ضعيفًا بين الاستخدام والتحكم في الانتباه، مما يشير إلى أن زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كان مرتبطًا بتركيز أفضل قليلًا.
تأثيرات مختلفة للمنصات
وقال باتريك كلارك، عالم النفس السريري والمحاضر في علم النفس في جامعة كيرتن والباحث الرئيسي في الدراسة: “على الرغم من أن جميع الارتباطات كانت ضعيفة في أحسن الأحوال، فقد توصلت الدراسة إلى أن منصات مختلفة سجلت تأثيرات مختلفة”. في حين شهد استخدام الفيسبوك ارتباطًا بسيطًا بالضيق بين المستخدمين، إلا أنه تم ملاحظة سيطرة أفضل على الانتباه بين مستخدمين تيك توك، وعلى الرغم من الأخذ في الاعتبار أنه مستخدمي تيك توك “ربما يكونون أصغر سناً فقط، ولكن حتى عند الأخذ في الاعتبار العمر، كان هذا الارتباط لا يزال موجودًا”.
علاقة معقدة
وأوضح الباحثون أن النتائج لا تشير إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي غير ضار أو ليس له أي تأثير على الصحة العقلية. إنهم يفهمون أن العلاقة بين الاثنين علاقة معقدة.
وقال جونز: “على سبيل المثال، يمكن أن يكون الاتصال بمجتمع داعم عبر الإنترنت بمثابة شريان حياة للأشخاص الذين يعيشون في عزلة، ولكن ساعات من تصفح المؤثرين على إنستغرام ربما تكون غير مفيدة حقًا إذا كانت لدى الشخص مخاوف بشأن صورة الجسم”.
هواجس غير صحية
وفي هذا الشأن، فحصت دراسة أسترالية أخرى، نُشرت مؤخرا، منصتي التواصل الاجتماعي تيك توك وإنستغرام، وتوصلت إلى أنهما تغذيان هواجس الرجال غير الواقعية وغير الصحية بالحصول على جسم رشيق وعضلي.
وأشارت الدراسات السابقة إلى أن الرجال الذين يولون أهمية أكبر لتلقي الإعجابات والتعليقات الإيجابية على منشوراتهم هم أكثر عرضة للإصابة بأعراض “خلل التشوه العضلي”، وهو اعتقاد شائع، حيث يتخوف البعض من أن أجسادهم صغيرة وضعيفة، على الرغم من أنها في الواقع كبيرة وعضلية.
التعليقات والإعجابات
وأجرى باحثون من جامعة سازرن أستراليا استطلاعًا عبر الإنترنت لـ 95 رجلاً أستراليًا تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا للتأكد مما إذا كانت هناك علاقة بين التعليقات القائمة على المظهر على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالمشاهير والأزياء واللياقة البدنية والمخاوف المتعلقة بصورة الجسم.
اضطراب تشوه العضلات
واستخدم الباحثون مؤشر اضطراب تشوه العضلات MDDI لقياس أعراض “خلل التشوه العضلي” لدى المشاركين. يتم تصنيف العناصر الموجودة في MDDI على مقياس مكون من خمس نقاط، حيث تشير الدرجات الأعلى إلى شدة الأعراض بشكل أكبر. تتراوح الدرجات الإجمالية بين 13 و65؛ تشير النتيجة التي تزيد عن 39 إلى خطر الإصابة بالمرض. كما تم سؤال للمشاركين عن عدد الساعات التي يستخدمون فيها وسائل التواصل الاجتماعي يوميًا وعدد التدريبات التي قاموا بها كل أسبوع.
مفاهيم غير واقعية
وأفاد المشاركون أنهم استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من ساعتين يوميًا وشاركوا في متوسط ثلاث جلسات تمرين أسبوعيًا. اكتشف الباحثون أن 19% من المشاركين سجلوا أعلى من 39 في مؤشر MDDI، مما يشير إلى أنهم كانوا معرضين بشكل كبير لخطر اعتناق مُثُل غير واقعية حول أجسادهم. كما توصلوا إلى أن أهمية الإعجابات والتعليقات المتلقاة تنبأت بشكل كبير بأعراض مرض التصلب العصبي المتعدد أكثر من العوامل الديموغرافية مثل العمر والعرق.
التحقق الاجتماعي
وقال لويجي دوناروما، خريج علم النفس بجامعة سازرن أستراليا والباحث الرئيسي في الدراسة: “لقد ركزت الأبحاث السابقة إلى حد كبير على النساء، لكننا نرى الآن أن الرجال معرضون أيضًا لضغوط المثل العليا للجسم عبر الإنترنت”، مشيرًا إلى أن “خلل التشوه العضلي هو قضية ناشئة، وتُظهر الدراسة أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرد منصة لمشاركة المحتوى، وإنما هي مصدر قوي للتحقق الاجتماعي الذي يمكن أن يؤثر بشكل كبير على كيفية إدراك الشباب لأجسادهم.”
سلوكيات ضارة
ويقول الباحثون إن النتائج التي توصلوا إليها تسلط الضوء على الحاجة إلى وعي أكبر بالمخاطر النفسية المرتبطة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال جون مينجويا، الباحث المشارك في الدراسة ومحاضر علم النفس في جامعة سازرن أستراليا: “غالبًا ما يتعرض الرجال للمثل العضلية المفرطة عبر الإنترنت، خاصة من خلال محتوى اللياقة البدنية والمشاهير”، شارحًا أنه “عندما تجتذب هذه المنشورات عددًا كبيرًا من الإعجابات والتعليقات الإيجابية، فإنها تعزز الرسالة القائلة بأن هذا هو معيار الجسم الذي يجب على الرجال السعي لتحقيقه. وبمرور الوقت، يمكن أن يؤدي ذلك إلى سلوكيات ضارة مثل الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية وتقييد الأكل، وحتى استخدام المنشطات.