للكاتب محمد بن الحسن
بعد سنوات طويلة من الحرب التي دمرت البنية التحتية وأرهقت الشعب السوري، يطرح التساؤل نفسه بإلحاح: ماذا ينتظر سوريا بعد تحريرها من قبضة النظام السابق ؟ هل ستنهض من تحت الأنقاض لتبني مستقبلًا مشرقًا، أم أنها ستسقط في فخ تجارب عربية أخرى ما زالت تعاني من الفوضى والانقسام؟ للإجابة على هذا السؤال الشائك، لا بد من استعراض عدة سيناريوهات محتملة قد تحدد مصير سوريا، بناءً على تجارب دول أخرى مرت بمراحل مشابهة.
السيناريو الأول: تجربة تونس – سقوط النظام وصعود الاستبداد الجديد .فتونس شهدت إسقاط نظام زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد لعقود بقبضة حديدية. وقد اعتقد الجميع آنذاك أن الديمقراطية قد حلت أخيرًا، وأن الشعب التونسي سيتذوق طعم الحرية الحقيقية بعد سنوات من القمع. لكن لم تكد تمر سنوات قليلة حتى بدأت الأحلام تتحطم على صخرة الواقع السياسي المعقد. وفي هذا السيناريو، يمكن تخيل مصير مشابه لسوريا، حيث تسقط السلطة الحالية لتقوم قوى أخرى بفرض سيطرتها. قد تحمل هذه القوى شعارات الحرية والعدالة في البداية، لكنها سرعان ما تتحول إلى نظام استبدادي جديد يعيد إنتاج نفس آليات القمع والسيطرة.
السيناريو الثاني : تجربة مصر – فشل الثورة وعودة النظام القديم في ثوب جديد ،فمصر كانت إحدى المحطات الأبرز في مسار الثورات العربية، حيث تمكنت الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير من إسقاط نظام حسني مبارك الذي حكم البلاد لثلاثة عقود. وكانت تلك اللحظة مفعمة بالأمل، فقد بدا أن مصر على أعتاب مرحلة جديدة من الحرية والعدالة والديمقراطية. ولكن، وبعد مرور سنوات قليلة، انحرف المسار الثوري تمامًا، وعادت البلاد إلى ما يمكن وصفه بالنظام القديم ولكن بوجوه جديدة وشعارات مختلفة، وهو ما جعل الكثيرين يتحدثون عن “فشل الثورة“. وفي هذا السيناريو، إذا اتجهت سوريا نحو تجربة مشابهة، فإن النتيجة ستكون إحباطًا عميقًا لدى الشعب.
السيناريو الثالث : تجربة ليبيا – سقوط النظام والانزلاق إلى حرب أهلية وصراعات مستمرة
ليبيا، تلك الدولة الغنية بالنفط والتي لطالما كانت تحت حكم معمر القذافي لأكثر من أربعة عقود، قدمت نموذجًا مأساويًا لما يمكن أن يحدث عندما تسقط الأنظمة الاستبدادية دون وجود رؤية أو خطة لبناء الدولة. ففي عام 2011، تم بدعم من تدخل عسكري دولي بقيادة الناتو، من الإطاحة بالقذافي، في مشهد اعتبره البعض انتصارًا ساحقًا للشعب الليبي. ولكن، لم تكد تنتهي الاحتفالات بسقوط النظام حتى انزلقت البلاد إلى حالة من الفوضى الأمنية والسياسية، التي ما زالت مستمرة حتى اليوم.
السيناريو الرابع : سوريا الجديدة – موجة استقرار ونهوض مستفيدة من دروس الماضي
وفي خضم الحديث عن السيناريوهات المظلمة التي مرت بها دول عربية أخرى بعد إسقاط أنظمتها، يبقى الأمل معقودًا على أن تسير سوريا في مسار مختلف تمامًا. ويمكن لهذا السيناريو أن يكون نقطة انطلاق لبناء دولة جديدة تعيد البريق لسوريا، دولة تقوم على أسس العدالة، الحرية، والتعايش، بعيدًا عن الفوضى والانقسامات. فالتاريخ مليء بالدروس لمن أراد أن يتعلم. فسقوط الأنظمة في دول أخرى كشف كيف يمكن أن يؤدي غياب التوافق الوطني، أو الانقسامات الداخلية إلى انهيار الدولة بالكامل. وعلى العكس، يمكن لسوريا أن تستفيد من هذه التجارب لتجنب الأخطاء التي مزقت الشعوب الأخرى.
يعد تعزيز التوافق الوطني الخطوة الأولى نحو استقرار سوريا هي بناء توافق وطني شامل يجمع كل أطياف الشعب السوري بمختلف مكوناته. ويجب أن تشارك جميع الفصائل والتيارات السياسية في وضع رؤية مشتركة لسوريا المستقبل. ويجب أن يتم تجاوز الصراعات العرقية والطائفية، والعمل على تعزيز الهوية الوطنية الجامعة التي تضع مصلحة سوريا فوق كل اعتبار.فأحد أكبر الأخطاء التي شهدتها الدول الأخرى هو غياب مؤسسات الدولة أو تسييسها. وفي سوريا الجديدة، يجب أن يتم التركيز على بناء مؤسسات قوية ومستقلة تضمن العدالة وتحمي حقوق المواطنين. وهذه المؤسسات هي الضمان الوحيد لمنع عودة الاستبداد أو الفوضى.