دواوين التفتيش الجديدة سوريا التي لم تعد آمنة

للكاتب ادريس هاني

بدأت فكرة الشعب تتوارى عن الأنظار، إنّ الشعب السوري الجريح الذي فرض عليه الإرهاب حربا استنزفت الدولة والجيش والشعب، ها هو لا يزال يدفع ثمن ثورة خداج مفصولة عن سياقها التّاريخي والاجتماعي. وحتى جين شارب الذي فشل في تفوير الاحتجاجات، بفضل سياسة احتوائها باستجابات فورية يومها، حتى جين شارب إذن لم يفهم السرعة التي انتقل فيها خيار استغلال احتجاجات مطلبية اجتماعية إلى غزو إرهابي عسكري مسنود بقوى دولية وإقليمية.حيث  كانت الغاية هي هدم آخر قلاع الكفاح، وتقويض الهوية القومية، شتات عربي في حالة خصاء، أدوات التدمير الذّاتي هم متطرفون/انتهازيون.

ويعزّز لديّ الحدث السوري أهمية ومنطق الدياليكتيك، بوصفه منطق التّناقض الذي لا مفرّ منه مهما خفيت قواعد وسنن التّحوّل التّاريخي. ولا رادّ لمخرجات الجدل الطبيعي والتّاريخي، فالإرادة هنا تتطلّب مهارة ركوب الموج بطريقة صحيحة. اذ لا يوجد ما يضمن انتقالا سلسا تحت إشراف قوى النفوذ المركزية والمحورية، وأدوات متحرّقة للتنابذ حول الحِصص. فلقذ بدأ الوضع يتفجّر في المناطق التي أخفت وسائل الإعلام المتورّطة في توجيه الرّأي العام ما يحصل فيها من فظاعات. فقد هيمنت هيئة تحرير الشّام على الإعلام، واتبعت الوسائل نفسها التي اتبعتها بعض القنوات العربية، أي قلب الحقائق.

واليوم تتحدث عن قوى الأمن، وقد فرضت حظر التّجوّل في كل من اللاذقية وبانياس وطرطوس، حيث الحديث عن شيء يسميه إعلام الهيئة بالفتنة، وبالنعرة الطائفية، وبأنّ أطرافا كإيران بدأت تُحرك عملاءها. ودائما سيتحفنا غوبلز بخرائف لا مجال لتفكيكها، لأنّها تعتمد شكلا من الإغراق، مما يجعل زمن تفكيكها أطول من زمن تفكيك المخطّط. فلا قيمة لاكتشاف الحقيقة بعد فوات الأوان، لكن الكذب هنا لا يحمل شحنة المدى الطويل. حيث ألم يكن من المتوقّع أن تنتفض ساكنة السّاحل وحتى بعض الأقلّيات في حمص وغيرها ضدّ هذا الصمت الممنهج حول ما يتعرض له المجتمع من عدوان المسلحين، والتمشيط، والقتل، ونهب البيوت والمحلاّت، وحرق الرموز التاريخية والدينية، وسائر أشكال الإستفزاز الرمزي والمادي؟

ولم يكن يوما الخطاب الإعلامي في سوريا يتحدّث اللغة طائفية، كانذلك خطّا أحمر، لكن مسلحي الهيئة بدؤوا يكشفون عن مواقفهم وقناعاتهم الحقيقية، وهم يعيدون أسلوب طالبان في الوقت الذي تُواصل فيه قيادة الهيئة مسرحيتها في دمشق كحمامة سلام. وإنّ انتفاضة الشعب السوري الذي تخفي حساسياته وسائل الإعلام الوظيفية، كانت متوقّعة، ولقد خان قيادة الهيئة الصواب حين تحدّثت عن الدروز والعلويين والمسيحيين وما شابه بدعوتهم للحق، قصد إخراجهم من الضّلال. واليوم يصف الإعلام الرسمي للهيئة المتظاهرين بكونهم عملاء ينشرون الفتنة، وذلك لأنهم رفعوا شعارات طائفية. ما هي الشعارات التي يجب أن تُفرض على شرائح اجتماعية تمتاح شعاراتها من صميم ثقافتها ورموزها؟

فليس توحيد الفصائل المسلحة قضية شكليّة، فالجيش الوطني هو الجيش الموصول بنسيج اجتماعي وعقيدة وطنية. لكن ما هو النسيج الاجتماعي الذي سيشكّل بيئة جيش مؤلّف من فصائل مسلحة، ليس فقط أنّها تتناقض في عقيدتها القتالية، بل إنّها من ناحية أخرى، هي تنطوي على أغراب، ومن ناحية أخرى تنطوي على عقيدة قتالية غير وطنية. لقد ظهرت مؤشّرات ذلك فيما سُميّ بقوات الأمن، وهي بتعبير أصح قوات هيئة تحرير الشّام، وهي قوات بديلة بعد تفكك جهاز الأمن السوري.

وهنا بدأت تتوعد تركيا قسد كما تتوعد واشنطن داعش كما تتوعد إسرائيل الكيان السوري برمته، كما تتوعد الفصائل المسلحة المهمّشة الهيئة بوصفها استأثرت بالغنيمة. وبدأ المجتمع السوري يتحسس مصيره المجهول، انتفاضات ستتعرّض للقمع، قوى النفوذ ستتغاضى عن الكارثة، المهمّ والاستعجالي في هذه اللّعبة هو خلق توتّر طويل الأمد في سوريا لمنح فرصة لتقادم الوضع الجديد، المهمّ هنا هو منح إسرائيل فرصة للتّوسع، كذلك وضع اليد على النّفط. فأين هو الشعب السوري؟ أين الأغلبية الصامتة؟ فعمليات التمشيط التي يقوم بها  جيش الهيئة ودواوين التفتيش اليومية داخل المدن والبلدات بسوريا، هدفها مصادرة حقّ الشعب واختطاف مطالبه السياسية والاجتماعية، وابتزازه بقوة الأمر الواقع.حذ

مقالات ذات صلة