الأردن وتهجير بلون الدم.. مهزلة “المبادئ الأربعة” وكيف أشعل ترامب 7 أكتوبر؟

للكاتب إيهاب سلامة

اجتاحت ردود الأفعال الساخطة  وسائل الإعلام الأردنية ومواقع التواصل الاجتماعي، ردًا على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي دعا فيها إلى تهجير مليون ونصف المليون فلسطيني من قطاع غزة إلى الأردن ومصر؛ جميعها، صدرت عن ساسة وكتّاب وإعلاميين وأحزاب وناشطين ومواطنين ساخطين، وصبّت في موقف واحد: رفض التهجير، والحيلولة دونه، مهما بلغت الكلفة والتضحيات.

فتهجير الفلسطينيين بالنسبة للأردن الرسمي والشعبي خط بلون الدم، ومسألة وجودية صرفة (حياة أو موت) غير خاضعة للنقاش أبدًا؛ فهي في القاموس الأردني، تنهي الوجود الفلسطيني على أرضه، وتفقده حقوقه التاريخية أولًا، وتحوّل الأردن إلى وطن بديل ثانيًا، إضافة إلى أنها تمثل انتهاكًا صارخًا لاتفاقية وادي عربة المشؤومة، كما تُعد خرقًا لاتفاقية جنيف التي نصت بأن التهجير القسري تطهير عرقي وجريمة حرب لا تقبلها المواثيق الدولية، فكيف تقبلها مواثيق الدم والأخوّة الأردنية الفلسطينية؟

اذ يدرك الأردن تمامًا، أن قبوله بتهجير الأشقاء من غزة إلى أراضيه، يفتح باب التهجير من الضفة الغربية إلى الشرقية لاحقًا، وهو لن يقبل بهذا ولا ذاك. فتلك ثوابت وطنية أردنية، ومسلّمات محرّمات، لا تخضع للنقاش أو التأويل أو المساومة، ودونها الموت، ولتُفتح أبواب الجحيم حينها على الجميع، وعليّ وعلى أعدائي! وان المنطق السديد الذي يقيس عليه الأردني تصريحات ترامب: كيف تمنع دخول المهاجرين إلى بلادك وترفض إدخالهم بشدة، وتمنح نفسك حق ادخال المهجرين إلى بلاد غيرك وتتوقع منهم القبول والتسليم بأمرك؟

والأكثر من هذا تناقضًا تصريح أقرب المقربين اليه ومبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي حدد قبل أيام أربعة مبادئ أساسية لسياسة ترامب في الشرق الأوسط: أولها، وربما أكثرها إثارة للسخرية في هذا السياق هو “احترام السيادة”، وأن “لكل شعب حقه في تقرير مصيره بعيداً عن تدخلات القوى الخارجية”! ثم يصرح ترامب بالأمس أنه سيقرر مصير الشعب الفلسطيني في غزة، وينوي تهجيرهم على حساب مصر والأردن!؟ وربما عنجهية الرجل ونرجسيته تحولان دون الاثبات له أنه يفتقر إلى الفهم السياسي، لكنه يعي في قرارة نفسه الأمر، وقد لا يجد غضاضة ولا يكترث أساسًا، فهو في النهاية “بزنس مان” إضافة إلى أنه زعيم أقوى دولة في العالم، ومولع بالـ “شو” حد الهوس، لذا، يغيب عنه الوعي بالتاريخ القريب أيضًا.

فترامب ربما لم يقرأ بأن تهجير الفلسطينيين إلى لبنان مثلًا، أنتج حركات تحرر فلسطينية مسلحة تحولت إلى حركات مقاومة شرسة ضد الاحتلال، بل حالت دون اجتياحه بيروت في بدايات ثمانينيات القرن الماضي، حينما كانت عقيدة “الرفاق” البندقية، قبل أن يرحّلوا بحرًا من بيروت إلى الشتات، ويبدّلوا جلدهم، ويتحوّلوا عن “عقيدة السلاح” إلى “عقيدة السلام”! وعلى الأمريكيين والإسرائيليين أن يتعلموا الدرس من حقبة ترامب المشؤومة الأولى، ولا تدفعهم نشوة مغامراته غير المحسوبة وتأخذهم العزة بالإثم وهم كلهم إثما. فقد تسببت سياساته وقراراته بزيادة احتقان الشرق الأوسط، وألهبته، وهي التي أوصلت الأمور في فلسطين المحتلة إلى السابع من أكتوبر، بعد أن فرضت أمرًا واقعًا على الشعب الفلسطيني، وألغت حقوقه وأوصلته إلى أخذ حقوقه بالبندقية!

ان العالم كله يدرك اليوم، أن أس بلاء الشرق الأوسط هو الكيان الاستيطاني الصهيوني، الذي أُقيم على أرض بالقوة. مثلما ندرك في مشرقنا العربي، أن السياسات الأمريكية على مدار 75 عامًا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم تكن يومًا جزءًا من الحل، بل كانت سببًا أصيلًا من المشكلة، جراء انحيازها المطلق ورعايتها الرسمية لآخر كيانات الكون الكولونيالية الخبيثة. وعليه، فإن إعادة إنتاج ذات السياسات العقيمة والقرارات المجحفة المنحازة للاحتلال، تعيد التوتر والجنون في المنطقة إلى المربع الأول، وتعيد تدوير نفس السيناريوهات الدموية بشكل أكثر عنفًا وأكثر دموية. ولن تعود بأي منفعة تذكر على كيان الاحتلال أو البيت الأبيض، بل ستظل السياسة الأمريكية السقيمة، تشتري الوقت فقط، وتؤجج الصراع، وتنفخ في مرجله،

مقالات ذات صلة