للكاتب أماني سعد ياسين
لقد تبين أن لا قرارات أمم متحدة ولا ضغوطات خارجية دولية ولا ضغوطات سياسية لبنانية أو عربية أو حتى دولية تثني العدو الإسرائيلي عن غيّه باستمرار احتلاله وتمترسه في الجنوب اللبناني. فبعد تجاوز مهلة الستين يوماً التي حدّدها اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين وبعد مكابرة هذا العدو الإسرائيلي وتعنّته وإصراره على البقاء في الأرض اللبنانية كما أعلن نتنياهو قبل أيام أنه لن ينسحب من لبنان بعد انتهاء المهلة المحدّدة. وبعد ضرب العدو الصهيوني عرض الحائط بكل القرارات الدولية والتفاهمات وتحدّيه للقانون الدولي وهو الذي اعتاد التحدّي والقفز فوق القانون طوال سنوات طوال.
فبعد كل هذا التعنت والمكابرة الإسرائيلية ما كان أمام أصحاب الأرض من الجنوبيين إلا أن فرضوا إرادتهم ومعادلاتهم بأيديهم وبصدورهم العارية التي تحدّوا بها دبابات الإحتلال بعدما ثبت أنها دبابات من ورق في مواجهة شعبٍ حيّ يعرف كيف يطالب بحقّه وكيف يطرد المحتل من أرضه. فجنوب لبنان كان يوم “الأحد” التاريخي على موعد مع ملحمة بطولية جسّدها أهل الجنوب الصامد والصابر والمقاوم، ملحمة يجب أن تكون عبرة ودرساً لكل إنسان على وجه هذه البسيطة تعلّمه كيف يكون حبّ الوطن وكيف يكون شرف الذود عن الوطن وتعلّمه أن لا كلمة فوق كلمة الشعب وهو مصدر كل السلطات وأنّ لا ثمن يوازي حبة ترابٍ من أرض الوطن.
ففي ملحمةٍ بطولية فريدة وقف الجنوبيون يوم الأحد في السادس والعشرين من كانون الثاني بعدما رابطوا حتّى ساعات الفجر الأولى في ترقبٍّ وانتظارٍ حثيث وقفوا بوجه دبابات الميركافاه الإسرائيلية يتحدّون جبروت الجيش الصهيوني بصدورهم العارية وبقبضاتهم المرتفعة وأصواتهم المدوّية بصرخات “الله أكبر”. فقد تجاوزت الجموع كل الحواجز التي وُضعت أمامهم وهبّوا هبّة رجلٍ واحد في وجه عدوهم المسلّح بأحدث الأسلحة وأكثرها تطوّراً ومن خلفه أعتى دولة في العالم، أمريكا التي حاولت فرض تمديد وقف إطلاق النار على الدولة اللبنانية لمصلحة العدو الغاصب لأجل فرض شروطها ولكسر إرادة الشعب اللبناني وحرمانه من حقوقه في أرضه وربّما لفرض مكاسب سياسية معيّنة عبر تشكيل حكومة تابعة لها.
وفي صدمة للجميع وعلى خلاف التوقعات والرهانات الأمريكية والإسرائيلية بيّن الشعب اللبناني أنه وحده هو من يقود طريقه على مسار الانتصارات وحفظ الحقوق وتحرير الأرض بعدما ظهر للعالم أجمع كذب مسار التسويات وشعارات احترام القرارات الدولية وشرعة حقوق الإنسان بما فيها كل الضمانات الدولية. وهذا وقد سبق للولايات المتحدة الأمريكية وهي أحد الرعاة لإتفاق وقف إطلاق النار ما بين لبنان وإسرائيل أن سارعت عبر ادارتها الجديدة الى تبني موقف العدو بالكامل وذلك عبر منحه فترة اضافية «قصيرة ومؤقتة» لانجاز انسحابه من كامل الاراضي اللبنانية المحتلة ومن المعروف أن هذا الإتفاق لم يحترمه العدو الصهيوني طيلة ستين يوماً وما زال إلى الآن.
فعلى مدى ستين يوماً من اعلان وقف إطلاق النار في لبنان لم يتوانى العدو الصهيوني عن خرق هذا الإتفاق مراراً وتكراراً حتى بلغ عدد خروقاته اكثر من 600 خرقاً وذلك تحت مرأى لجنة مراقبة وقف إطلاق النار الدولية وتحت مرأى الأمم المتحدة المتمثلة بقوات اليونيفيل في الجنوب اللبناني وكذلك تحت مرأى رئيس مجلس الأمن غوتيريش والرئيس الفرنسي ماكرون الذين قاما بزيارة لبنان أثناء هذه المدة وفي الوقت الذي كانت طائرة “الأم كا” تجوب الأجواء اللبنانية وتصمّ الآذان فوق العاصمة اللبنانية بيروت.
وعشية انتهاء مهلة الـ60 يوماً، كثّف لبنان اتصالاته وجهوده لاستباق المواقف وللضغط على اسرائيل من أجل تطبيق ما اتُّفِق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار وبالتالي الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة ضمن المهلة المحدّدة ، إلا أن جميع هذه الجهود لم تسفر عن أيّ شيءٍ ملموس. وعلى العكس فإنّ ماحصل هو أن زاد تعنُّت العدو الصهيوني حيث أعلن صراحةً وعلى لسان نتنياهو تحديداً أنه لن ينسحب من الأراضي اللبنانية التي احتلها أثناء الحرب والتي ما استطاع التمدّد فيها لولا إتفاق وقف إطلاق النار الآنف الذكر . وبحجّة وقف إطلاق النار تمدّد جيش العدو الصهيوني الجبان في القرى اللبنانية واستغل وقف إطلاق النار ليقوم بهدم مئات البيوت وجرف الطرقات وتهديم المساجد والحسينيات في المناطق التي لم يكن قد استطاع الدخول إليها من قبل بسبب استبسال الشباب اللبناني المقاوم .