للكاتب مازیار شکوری
لقد حققت حرب عاصفة الأقصى الكثير حتى أنه مهما قلنا وكتبنا عنها فإنها تبدو وكأنها لن تنتهي أبداً، وهذا بالطبع جزء من عظمة وأهمية هذه الحرب ويظهر مدى أهمية عاصفة الأقصى، وبالطبع سوف نفهم النتائج الرئيسية لهذا النصر الاستراتيجي في المستقبل، لأن النتائج البعيدة المدى لهذه الحرب وهذا النصر سوف تظهر نفسها لاحقاً، ومن الآن فصاعداً يجب تقسيم التاريخ إلى ما قبل عاصفة الأقصى وما بعد بدء عاصفة الأقصى، وفي المرحلة الثانية قبل استشهاد المجاهد الكبير يحيى السنوار وبعد استشهاد يحيى السنوار، وفي المرحلة الثالثة قبل وقف إطلاق النار وفرض شروط حماس على الإسرائيليين، وبعد وقف إطلاق النار وفرض شروط حماس على العدو، ولكل من هذه المراحل خصائص ونتائج لا نريد الحديث عنها في هذا المقال.
وثمة نقطة مهمة جدا ظهرت خلال حرب طوفان الأقصى ولم ينتبه لها أحد، وهي أن المقاومة من حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي إلى بقية الفصائل الفلسطينية وحزب الله واليمنيين خاضت كلها حربا دعائية وإعلامية ثقيلة بالتوازي مع الحرب السياسية والعسكرية وكسرت ظهر إسرائيل، فكانت وسائل الإعلام المقاومة مثل قنوات التليجرام الفلسطينية و اعلام الحربي و اعلام العسكري و اعلام العدو و أحرار طولكرم وأحرار الجنين و بقية وسائل الإعلام تنقل عمليات وتضحيات الفدائيين الفلسطينيين في غزة بشكل يومي، وسرعان ما نقلت هذه الوسائل الإعلامية صورا حقيقية من التضحية والملحمة للعالم أجمع، وبعد ثوان معدودة رأى العالم أجمع كيف خرج الفدائيون الفلسطينيون من الأنفاق وفجروا الدبابات والمدرعات والأسلحة الإسرائيلية من داخل المباني المدمرة بوابل من الرصاص.
لقد رأى العالم كيف كان المقاتلون الفلسطينيون، من دون معدات عسكرية مثل الزي القتالي والأحذية العسكرية، يطاردون جنود العدو ودباباته في غزة وهم يرتدون الجينز والأحذية العادية والأحذية الرياضية وحتى الملابس الرياضية، وكيف كانوا يصنعون الملاحم. وإن العالم الذي كان في الغرب، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين وانهيار الكتلة الشرقية، غريباً عن السياسة والتضحية والملاحم، وكان يعتقد أن الحياة والعالم لا يمكن تلخيصهما إلا في أفلام هوليوود الخيالية وأكل الهامبرغر والعلاقات الجنسية، واجه فجأة المشاهد الحقيقية لصانعي الملاحم المقاومة. وقد بثت هذه المشاهد إلى العالم أجمع عبر وسائل الإعلام المقاومة، وفتحت نافذة جديدة للحياة أمام أعين الأجيال الجديدة.
فمن جهة بثت للعالم صمود وصبر ومقاومة اهل غزة الذين وقفوا الى جانب المقاومة تحت اشد القصف في التاريخ وبدون بيوت او مأوى ودعموا حماس وحزب الله . ومن جهة اخرى بثت للعالم جبن وضعف الاسرائيليين وكيف يرقدون على الارض بجوار الطرق السريعة والشوارع والحدائق خوفا من صواريخ كتائب القسام والقدس وحزب الله ويمسكون رؤوسهم بايديهم في رعب غريب . لقد شاهد العالم المجتمع المحتل يحزم حقائبه مراراً وتكراراً خوفاً ويتوجه إلى مطار بن غوريون في يافا لمغادرة الأراضي المحتلة، لكن أهل غزة صمدوا أمام أشد هجمات العدو، لقد قارن العالم بين هاتين الصورتين المتناقضتين للمجتمعين المتناقضين في نفس الوقت.وأدرك العالم بدقة عظمة الشعب الفلسطيني والمقاومة مع إذلال المحتلين وجيشهم الجبان المدجج بالسلاح من خلال نقل هذه الصور للمجتمعين المتناقضين.
ولكن الحرب الدعائية التي شنتها الحكومة والجيش الإسرائيليين أذلتهم واستخفوا بهم أكثر، فقد أظهرت أنفاق حماس الواسعة والطويلة في غزة، ونقل صور من داخل هذه الأنفاق إلى العالم، وخاصة المجتمع الإسرائيلي المحتل، أن إسرائيل لا تملك القوة أو السيطرة على غزة، التي تبلغ مساحتها ثلاثمائة وستين كيلومترًا مربعًا، وتحاصرها منذ سنوات، لأسباب تجسسية وأمنية. لقد جعلت أنفاق حماس العالم والمجتمع المحتل يدركون أن أنفاقًا بهذا الحجم تم بناؤها تحت غزة على مر السنين، لكن أجهزة التجسس والأمن الإسرائيلية لم تفهم عملية حفر وبناء هذه الأنفاق.
ولكن الأهم من ذلك أن حماس قامت بشيء ما لتسليم الأسرى الإسرائيليين إلى ممثلي الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي ربما كان أكثر إثارة للاهتمام من فتح القدس على يد صلاح الدين الأيوبي. ففي المكان الذي سيتم فيه تقديم الأسرى الإسرائيليين وتسليمهم إلى ممثلي الأمم المتحدة والصليب الأحمر، أي المسرح الذي بنوه فوق الأرض ويصعد إليه الأسرى حتى يتمكن الجميع من رؤيتهم، تم وضع شعار مثير للاهتمام خلف الأسرى. وهذا الشعار ليس شعار حركة حماس، بل شعار كتائب عز الدين القسام. وبوضع شعار كتائب عز الدين القسام فوق المسرح وخلف الأسرى، أعلنت حركة حماس للإسرائيليين والأميركيين والأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي والعالم أجمع أنه من الآن فصاعدا أنتم تتعاملون مع فرع عسكري وليس فرعا سياسيا، ومن الآن فصاعدا السلاح والميدان هو الذي يتحدث.