تحولات محتملة في موقف واشنطن تجاه حكومة الشرع

للكاتب ديمة الفاعوري

في تطور مفاجئ للمشهد السياسي الأميركي ـ السوري، أثارت زيارة النائبين الجمهوريين كوري ميلز ومارلين ستوتزمان إلى دمشق الكثير من التساؤلات في واشنطن، وهذه الزيارة، التي لم تُعلَن مسبقاً، جاءت في توقيت حساس تشهده المنطقة، واعتُبرت مؤشراً أولياً على وجود نقاش داخلي في الولايات المتحدة بشأن إعادة النظر في سياستها تجاه الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع.

فالنائبان، المعروفان بانتمائهما لتيار ترامب المحافظ، يمثّلان شريحة داخل الحزب الجمهوري بدأت تلمّح إلى ضرورة اتباع مقاربة جديدة في العلاقة مع دمشق، فقد أشار تقرير لمجلة  ايكونومست إلى أن هذا الانفتاح من قبل نواب جمهوريين قد يفتح “نافذة لإعادة تشكيل العلاقة” بين واشنطن والعاصمة السورية، على نحو غير تقليدي، خاصة في ظل المساعي لتقليص نفوذ الخصوم في الشرق الأوسط.فالتحولات داخل واشنطن تبدو جزءاً من صراع أعمق بين تيارين: الأول يمثّله صقور الأمن القومي والدبلوماسيون التقليديون الذين يدفعون باتجاه الاستمرار في فرض سياسة الضغط والعقوبات، والثاني تقوده مجموعات دينية وإنجيلية محافظة ترى فرصة في الانخراط الدبلوماسي مع دمشق لحماية ما تصفه بـ”القيم المشتركة”، خاصة المتعلقة بحماية الأقليات.

وفي هذا السياق، التقى القس جوني كوهين والحاخام أبراهام كوبر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في نيويورك، معربين عن ارتياح مبدئي لمضمون الحوار الذي دار بين الطرفين، وأعلنا عن نيتهم تشكيل وفد ديني مشترك يضم شخصيات مسيحية ويهودية لزيارة دمشق قريباً، ما يشير إلى مسعى ديني – سياسي لدفع الإدارة الأميركية نحو خيارات أكثر مرونة. كما ابدى الشرع انفتاحاً على إعادة بناء العلاقات مع دول المنطقة، بما فيها إسرائيل، في حال ضمان متطلبات الأمن، وعبّر عن رغبته في التفاعل مع ملف العقوبات الأميركية ضمن شروط واضحة.

وفي المقابل، لم تُبدِ الإدارة الأميركية حتى الآن أي تغيير رسمي في موقفها، فبحسب المتحدث باسم الخارجية، فإن واشنطن “لا تعترف حالياً بأي جهة كحكومة شرعية لسوريا”، مع ربط أي تحولات محتملة بتنفيذ خطوات ملموسة على الأرض، تشمل ملفات تتعلق بالأسلحة، وحقوق الإنسان، وتعاون أمني.

وفي ظل هذا الموقف المعلّق، تستمر الوفود غير الرسمية بلعب دور في اختبار النوايا، وقياس ردود الأفعال، كما تتقاطع هذه التطورات مع تحركات أوروبية لافتة، تمثّلت في زيارات لمسؤولين من فرنسا وألمانيا إلى دمشق، ما قد يُشكّل بدوره ضغطاً إضافياً على واشنطن، التي باتت أمام خيارين: إما التمسك بالعزلة، أو التفاعل بحذر مع تحولات الواقع السياسي في سوريا والمنطقة.

ويبقى السؤال الأبرز في أروقة القرار الأميركي: هل تقود هذه المبادرات الفردية إلى سياسة أميركية جديدة تجاه دمشق، أم أن الأمر لا يزال في حدود الاختبار والمناورة؟ في كل الأحوال، المؤكد أن المشهد السوري عاد ليشكّل محوراً مركزياً في مداولات الأمن القومي الأميركي، في وقتٍ تعيد فيه واشنطن رسم خريطة مصالحها في الشرق الأوسط..

مقالات ذات صلة