لماذا لم يتم لقاء بوتين وترامب في اسطنبول؟

للكاتب رامي الشاعر

أعرب رئيس الوفد الروسي المشارك في المفاوضات بإسطنبول فلاديمير ميدينسكي عن ارتياحه من سير المفاوضات مع الجانب الأوكراني.وأضاف ميدينسكي، في تصريحاته للصحفيين، عقب انتهاء مفاوضات استمرت ساعتين يوم أمس الجمعة، أن الأيام المقبلة ستشهد تبادلا للأسرى بين روسيا وأوكرانيا بصيغة “ألف مقابل ألف” كإجراء أولي لبناء الثقة، وذكر أن الوفد الأوكراني طلب إجراء مفاوضات مباشرة بين زعيمي البلدين، وقد أخذت روسيا الأمر بعين الاعتبار.

ويعتقد أن نتيجة المباحثات الروسية الأوكرانية في إسطنبول، إذا جاز القول إنها إيجابية، تعود بالدرجة الأولى لسير العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، والتقدم الذي تحرزه على الأرض في تحرير الأراضي التي يتم إعادتها إلى وطنها من جهة، ومن جهة أخرى لجهود الوساطة التي تبذلها الأطراف المختلفة وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا من الرئيسين ترامب وأردوغان شخصيا، اللذان قاما بالتدخل ومتابعة التحضير حتى يحدث اللقاء والخروج ولو بأدنى قدر من النتائج لمتابعة السير على طريق بناء الثقة والتفاوض.

إلا أن التفاوض، ومع كل ما يحمله من إيجابيات، إلا أنه لا يعني حتما وقطعا التنازل عن أهداف العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، وعن شبر واحد من الأراضي التي فقدتها أوكرانيا بسبب عناد وتكبر ونازية قادتها الذين انقضوا على السلطة في البلاد بانقلاب متكامل الأركان في 2014. ولا بد العودة إلى الأسباب الجذرية التي أدت إلى الحرب بالأساس، وعلى رأس تلك الأسباب تمدد حلف “الناتو” شرقا، واتخاذه النظام الأوكراني العميل قفازا لاستنزاف وتهديد روسيا. اليوم وبعدما اتضحت للجميع حقيقة أن روسيا لا تهزم، وأنها تصبر ما استطاعت حتى إذا ما نفد صبرها انقضت بلا هوادة لاستعادة حقوقها وحقوق شعوبها، وبينما قد تبدي روسيا بعض المرونة بخصوص تورط دول “الناتو” والأضرار التي لحقت بروسيا في المجالات المختلفة، إلا أن المرونة لن تتضمن التنازل عن التراب الوطني.

ولا يعتقد أن اللقاء والتفاوض سيحرز تقدما يذكر دون أن تسترجع روسيا كامل أراضيها التي كانت لتوافق على إبقائها في حوزة أوكرانيا، في إطار اتفاقيات مينسك، قبل 2014، مع الحفاظ على حقوق القومية الروسية داخل من لغة وثقافة ومعتقد، لكن العنف والقتل والتعذيب والاستهداف على الهوية زهاء 8 سنوات وأكثر، بل والقيام بعمليتين عسكريتين ضد المواطنين الأوكرانيين من ذوي القومية الروسية في دونباس كان نتيجتها انفصال الإقليم ثم انضمامه إلى روسيا في استفتاء شرعي وفقا للمواثيق والأعراف الدولية، ولا عزاء للنازيين والحمقى والمتكبرين والمحتمين بالغرب.

فلا زال البعض في أوروبا، وتحديدا في ألمانيا، يعانون من رواسب الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، ولا زالت جينات الفاشية تمرح في عقلية هؤلاء، في الوقت الذي تمرح جينات الانسحاق والنقص في عقلية آخرين. وما يدفع أوروبا للتعامل بهذا القدر من الإجرام والاستهتار بأرواح الشعب الأوكراني يعود إلى تلك الرغبات المريضة التي تعد تجسيدا حيا لهذه الجينات. وربما لهذا السبب نستمع إلى طبول الحرب التي تدقها دول حررها الاتحاد السوفيتي من نير النازية والفاشية، ودعمها بعد الحرب وأعاد إعمارها وتدريب كوادرها وتعليم أبنائها وتبادل معلوماته وتقنياته ومنجزاته معها. ولهذا السبب أيضا نستمع إلى تصريحات نارية لدول لا يتعدى حجمها أو وزنها السياسي حجم ضاحية من ضواحي موسكو.

من هنا تأتي المبادرة الروسية للتفاوض في إسطنبول لإعطاء المجال لمن تورط من الغرب للخروج من المأزق الراهن بالحفاظ على قليل من ماء الوجه، قبل أن يضطر هؤلاء أنفسهم على التوقيع على وثيقة استسلام كتلك التي وقعها النازي عام 1945. ولا تتمنى روسيا أن تنتهي الأمور إلى ذلك. ربما يلتقي الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب في وقت قريب، ليناقشا استئناف العلاقات الطبيعية بين القوتين العظميين، وسيكون على الطاولة، ضمن ملفات أخرى كثيرة، الملف الأوكراني، الذي لن يكون “الطبق الرئيسي”، لكنه أحد الملفات الهامة والمحورية التي يتعين على الزعيمان الاتفاق بشأنها، لينفذ بعد ذلك الطرف الأوكراني وسائر الأطراف الأوروبية ما يأمرهم به بعد ذلك الأخ الأكبر من البيت الأبيض.

مقالات ذات صلة