زيدان: قرار المحكمة الاتحادية الأخير بشأن خور عبد الله ينسف الاتفاقيات الدولية

 أكد رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، أن قرار المحكمة الاتحادية الأخير الصادر في 4 أيلول/سبتمبر 2023، والذي قضى بعدم دستورية قانون التصديق على اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله لعام 2013، يعد خروجًا عن الأصول القانونية ويُهدد استقرار المنظومة القانونية للاتفاقيات الدولية في العراق.

وأوضح زيدان في مقال نشره اعلام مجلس القضاء أن اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله، المبرمة في 29 نيسان/أبريل 2012 بين العراق والكويت، جاءت كمعالجة فنية وإدارية لآثار غزو النظام الدكتاتوري السابق للكويت عام 1990 وما ترتب عليه من ترسيم للحدود بموجب قرار مجلس الأمن رقم (833) لسنة 1993. مشيرًا إلى أن المادة السادسة من الاتفاقية نصت صراحة على أنها “لا تؤثر على الحدود بين الطرفين في خور عبد الله المقررة بموجب قرار مجلس الأمن رقم (833) لسنة 1993”.

وذكر رئيس مجلس القضاء الأعلى أن مجلس الوزراء العراقي صادق على مشروع قانون التصديق في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، وأقره مجلس النواب بالأغلبية البسيطة بموجب القانون رقم (42) لسنة 2013، ثم نُشر في الجريدة الرسمية بالعدد (4299) بتاريخ 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2013. وقد تم إيداع وثائق التصديق لدى الأمم المتحدة، وأصبحت الاتفاقية مُلزمة استنادًا إلى مبدأ “pacta sunt servanda” (يجب احترام المعاهدات) في القانون الدولي.

ولفت إلى أنه عند الطعن بعدم دستورية قانون التصديق، أصدرت المحكمة الاتحادية قرارها المرقم (21/اتحادية/2014) بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 2014، والذي ميز بين قانون تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات الذي يتطلب أغلبية الثلثين، وقانون التصديق على اتفاقية معينة الذي يُقر بالأغلبية البسيطة. وقضت المحكمة حينها برد الدعوى لعدم استنادها إلى أساس دستوري أو قانوني، مما ثبّت شرعية الاتفاقية داخليًا.

وأفاد زيدان أن المحكمة الاتحادية، في تحول مفاجئ، نظرت في الدعوتين الموحدتين المرقمين (105/وموحدتها 194/اتحادية/2023) في 4 أيلول/سبتمبر 2023، وقضت بعدم دستورية القانون رقم (42) لسنة 2013، وعدلت عن قرارها السابق. وقد استندت المحكمة في قرارها هذا إلى وجوب التصويت بأغلبية الثلثين، وإلى المادة (45) من نظامها الداخلي التي تجيز لها العدول.

وحذر رئيس مجلس القضاء الأعلى من أن تبني شرط أغلبية الثلثين سينسحب تلقائيًا على أكثر من 400 اتفاقية سابقة صُدق عليها بالأغلبية البسيطة، مما سيعتبرها باطلة لعدم استيفائها النصاب الجديد. وهذا يعني عمليًا “نسف منظومة الاتفاقيات الدولية التي أبرمها العراق خلال العقدين الماضيين”، فضلًا عن إلغاء استقرار المراكز القانونية الناشئة عن اتفاق دولي مودع لدى الأمم المتحدة، مما يُرتب مسؤولية دولية محتملة على العراق.

وأشار زيدان إلى أن العدول في التشريع العراقي هو أداة استثنائية تمارس بدقة متناهية، وحصرها المشرع في المادة (13/أولاً/1) من قانون التنظيم القضائي بالهيئة العامة لمحكمة التمييز الاتحادية وحدها، وبشروط جوهرية تتمثل في أن يرد العدول على مبدأ قضائي مجرد لا على حكم قطعي، وأن يُحال الملف من إحدى الهيئات التمييزية إلى الهيئة العامة، وأن يصدر قرار معلل يُبين الحاجة الملحة، مع عدم المساس بالمراكز القانونية والحقوق المكتسبة.

وأكد رئيس مجلس القضاء الأعلى أن الدستور وقانون المحكمة الاتحادية يخلو من أي نص يُخول المحكمة صلاحية العدول، وأن إدراج المحكمة لنص موضوعي كالمادة (45) في نظامها الداخلي، والذي يجيز لها العدول عن مبدأ سابق كلما اقتضت المصلحة الدستورية والعامة، يُعد تجاوزًا للطبيعة الإجرائية للأنظمة الداخلية ويخالف مبدأ تدرج القواعد القانونية.

واختتم زيدان تصريحه بالتأكيد على أن المحكمة في قرارها بتاريخ 4 أيلول/سبتمبر 2023 لم تتراجع عن مبدأ، بل نقضت حكمًا قطعيًا صادرًا في 18 كانون الأول/ديسمبر 2014، مما يتجاوز حجية الأمر المقضي فيه ويحدث فراغًا تشريعيًا واضطرابًا دبلوماسيًا، ويعرض العراق لمسؤوليات دولية. مشددًا على أن أي قرار يُطلق عليه “عدول” خارج هذه الضوابط، وخصوصًا إذا مس حكمًا نهائيًا أو صدر عن جهة لا تملك الاختصاص، يُعد لغوًا قانونيًا غير معتد به، ويلحق ضررًا مباشرًا بمبدأ سيادة القانون وثقة المتقاضين.

مقالات ذات صلة