للكاتب اسماعيل احمد ديوب
في تطورٍ سريع، جاء تدفق رأس المال السعودي إلى سوريا ليعكس واقع المنافسة المتصاعدة بين السعودية وتركيا في منطقة الشرق الأوسط. ففي أواخر يوليو 2025، أعلنت السعودية عن توقيعها استثمارات ضخمة تبلغ قيمتها 6.4 مليار دولار، تشمل قطاعات حيوية مثل العقارات، والاتصالات، والبنية التحتية، والصناعة، هذه التحركات تشير بوضوح إلى رغبة المملكة في لعب دور رئيسي في إعادة إعمار سوريا التي شهدت دمارًا هائلًا نتيجة الحـ.ـرب المستمرة.
ويمكن النظر إلى هذه الاستثمارات السعودية كخطوة استراتيجية واسعة النطاق تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة في الساحة السورية المتغيرة، خاصةً مع تصاعد الضغوط المنافسة من الجانب التركي. فتركيا، التي كانت تُعتبر لفترة طويلة طرفًا رئيسيًا في ” لنزاع السوري “، قد سعت أيضًا إلى تأمين موطئ قدم لها في هذا البلد من خلال تقديم المعونات العسكرية والاقتصادية.
ومع طلب الحكومة السورية المعونة الدفاعية من أنقرة، كانت المملكة العربية السعودية مدركة تمامًا لضرورة التحرك بسرعة لضمان عدم ترك الساحة التركية لإدارة الأمور في سوريا. فالاستثمارات السعودية في دمشق، التي تأتي بالتزامن مع استضافة المدينة لمنتدى استثماري سعودي، يُعتبر تعبيرًا عن التزام المملكة بتعزيز دورها ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل أيضًا على المستوى السياسي، فالحكومة السعودية تؤكد على أهمية هذه الخطوة في إطار سعيها للبقاء قوة فاعلة في المحيط العربي والإسلامي، وفي إطار إعادة تشكيل سريع للنظام السوري والتحالفات المحيطة به.
فالأحاديث حول التحولات في الشرق الأوسط لا يمكن أن تخلو من ذكر الدور التركي. ففي السنوات الأخيرة، نجحت تركيا في بناء علاقات قوية مع العديد من الفصائل السورية وتقديم الدعم للنظام في دمشق، مما يعكس رغبته في المحافظة على نفوذه، خاصةً في شمال سوريا. لذا، فإن التحرك السعودي السريع لرسم معالم جديدة للاستثمار في سوريا لا يُعتبر فقط استجابةً للأزمات الاقتصادية أو وصاعد حاول العنف غير المنظم، بل يمثل أيضًا مسعىً جادًا لزيادة النفوذ السعودي في وجه المنافسة التركية.
وبالنظر إلى الأبعاد الاقتصادية، تُعتبر هذه الاستثمارات السعودية ضخمة مقارنةً بحجم دعم الدول الأخرى. فقد أظهرت الأرقام أن الاستثمارات السعودية سوف تخلق العديد من فرص العمل وتعزز البنية التحتية المتهالكة في سوريا. إلى جانب ذلك، فإن التوجه نحو استثمارات في مجالات متنوعة يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في البلاد ويعيد رسم خريطة العلاقات العراقية والسورية.
وفي النهاية، يمكن القول أن تدفق رأس المال السعودي إلى سوريا هو أكثر من مجرد استثمار اقتصادي؛ إنه جزءٌ من صراع نفوذ طويل الأمد بين قوتين إقليميتين. وفي عالم يتجه نحو المزيد من التغيرات الجذرية، تبقى المملكة العربية السعودية ملتزمةً بتعزيز وجودها كلاعب رئيسي في المنطقة، بعيدًا عن قوى أخرى تسعى لتحقيق نفس الأهداف، فهذه الديناميكية تشير إلى أن الأمور لن تتوقف عند هذا الحد؛ بل ستكون هناك المزيد من التطورات في المنافسة الإقليمية، مما يجعل السوريين في قلب الصراع بين هذه القوى العظمى.