كجزء من إجراءات التحقيق الجاري لدى وزارة العدل الامريكية في ممارسات الرئيس السابق دونالد ترامب، على عدة مسارات، إحداهما: تشكيك الرئيس السابق في نزاهة نتائج انتخابات 2020 ومحاولاته الحثيثة لالغائها، الى جانب احتمالية تورطه بأحداث الشغب التي اثارها مؤيدوه بتاريخ 6 يناير والتي ادت الى اقتحام مبنى الكابيتول. والمسار الثالث، متعلق بمعرفة مصير الوثائق السرية التي حملها ترامب من البيت الابيض بعد انتهاء فترة عمله كرئيساً للولايات المتحدة. أقدم عناصر مكتب التحقيق الفدرالي FBI على مداهمة منتجع ترامب في فلوريدا. الامر الذي وصفه مراقبون بتطور دراماتيكي خطير في مسار التحقيقات، لم يسبق أن تعرض له رئيس أمريكي سابق.
وفي إطار ردود الفعل الرسمية المتعلقة بالحادثة، أعلنت المتحدثة بإسم البيت الابيض كارين بيير أن الرئيس بايدن علم بإجراءات تفتيش منزل ترامب من خلال وسائل الاعلام، مؤكدةً أن إجراءات التحقيق التي تقوم بها وزارة العدل تحمل طابع الاستقلالية في القرار وفقاً لسيادة القانون بعيداً عن البيت الابيض. وفي السياق، تباينت ردود الافعال بين قادة الحزبين الكبيرين، بينما أثنى بعض زعماء الحزب الديموقراطي على تحقيقات وزارة العدل وإجراءاتها في محاسبة ترامب على أخطائه. أصدر زعيم الجمهوريين في الكونجرس كيفين مكارثي، تحذيرًا شديد اللهجة للمدعي العام ميريك جارلاند، متوعداً إياه بفتح ابواب جهنم على رأسه، وأنه سيواجه سيلاً من التحقيقات المكثفة من قبل الجمهوريين في الكونغرس .
ووسط إحتدام الجدل حول شخصية ترامب ومواقفه، وارتفاع حاد في حالة الاستقطاب السياسي الداخلي بين أنصار الحزبين الكبيرين، والتي أجازت استخدام جميع انواع الاسلحة المتاحة بما فيها التشكيك في نزاهة القضاء لاضعاف الحزب المنافس، إستطاع ترامب صانع الصفقات الاسستثمار في هذه الاجراءات لتعزيز روايته، جوهرها إستمرار تعرضه للاضطهاد السياسي من قبل الديموقراطيين والوكالات التابعة لهم، وإعادة تأكيده على تزوير الانتخابات الرئاسية 2020، موجهاً نداءه لانصاره بأن مثل هذه الاجراءات سوف تطالكم جميعاً آجلاً أم عاجلاً.
وبالنظر الى المكانة/الحصانة الرمزية التي من المفترض أن يتمتع بها ترامب بإعتباره رئيساً سابقاً، وبصفته زعيماً حالياً للحزب الجمهوري دون منافس، فقد فجرت هذه الاجراءات سيلاً عارماً من الغضب في اوساط قاعدته الجماهيرية على وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام المحافظ، وعبّر عن حالة الغضب هذه احد المسلحين الذي حاول اقتحام مبنى مكتب التحقيق الفدرالي في مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو وأدت الحادثة لمقتله، من ناحية أخرى، بدأ المشرعون الجمهوريون بمن فيهم المنتقدون السابقون لترامب، بالدفاع عن رئيسهم، معتبرين العملية بمثابة حملة تشويه للحزب الجمهوري وقيادته السياسية، وتوظيف سياسي مرفوض، مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي لعضوية الكونجرس في نوفمبر القادم.
وسواء عثر عناصر مكتب التحقيق الفدرالي على وثائقهم التي تدين ترامب أو لم يعثروا، فإن ترامب نجح الى حد كبير، أولاً: في توحيد صفوف ممثلي الحزب الجمهوري الذين رافقهم انقسام المواقف في الكونجرس الحالي، ثانياً: نجح ترامب في توظيف هذه الحادثة في تثبيت روايته المرتكزة على فكرة الاضطهاد السياسي، وصعوبة تبرئة الديموقراطيون لساحتهم بالنظر للتوقيت المتعمد لهذه العملية في ظل اقتراب موعد الانتخابات، وبالتالي استطاع إضافة مزيداً من النقاط في رصيده الشخصيي ورصيد مرشحي الحزب الجمهوري عموماً. وثالثاً: يمكن القول أيضاً، أن الرئيس السابق سيتمكن الى حدٍ ما من استقطاب المزيد من اصوات الناخبين المتضررين من السياسات الحالية للحزب الديموقراطي.
و بعبارة أخرى، فإن ترامب لن يحتاج للالتقاء بجماهيره ومؤيديه في كل الولايات الامريكية لشرح روايته وتكرارها، من الان فصاعداً، فإن كل عضواً أو مناصراً في الحزب الجمهوري سيكون صورة مصغرة لأفكار ترامب وسيحرص على حشد الناخبين لصالح الحزب الجكهوري لقطع الطريق أمام احتفاظ الديموقراطيون باغلبيتهم المتدنية أصلاً في الكونجرس، بهدف وقف التمييز الممارس بحقهم وفقاً لمعتقدات ترامب.