من المفاهيم المغلوطة في القضية اليمنية أن البعض من اليمنيين أو من المتابعين للأحداث في اليمن يظن أن هذا التدمير الممنهج في اليمن والتآمر على جيشه ومؤسساته هو نتاج سياسة السعودية والإمارات الخاطئة الفاشلة في اليمن وهذا غير صحيح أو بالأحرى غير دقيق .! ..لماذا ؟ لأن هؤلاء لا يمتلكون قراراهم ، هؤلاء فقط ينفذون سياسة الدول الكبرى في المنطقة ، ولا يعني هذا أن المصالح لا تتوحد ، أو أن الهدف في اليمن ليس مشتركا للجميع ، لكن من الذي خطط ونسق ووجه وما يزال في موقع إدارة الحرب على اليمن إلى اليوم ؟!
أليست هذه الدول الكبرى هي من يدير الحرب على اليمن إلى اليوم حتى غرفة عمليات التحالف العسكرية في الرياض ما يزال يديرها ضباط أمريكان وبريطانيين. لكن هذه الدول لا تريد أن تتصدر المعركة ، وتريد أن تظهر بمظهر الوسيط الدولي الذي يعمل على إحلال السلام وإيقاف الحرب في اليمن ، بينما في الحقيقة هي من اشعل الحرب ، وهي كانت قادرة منذ سنوات على إيقاف الحرب وإنهاء الصراع ولكنها لم تفعل ؟! لأن مصالحها لم تتحقق بعد . وهذه الدول الكبرى تريد تغييب البعد الدولي في الحرب على اليمن ، وإظهار الصراع بصفته صراع محلي وقد نجحت في هذا الأمر إلى حد بعيد ، فهي تريد إعفاء نفسها أمام شعوبها من مسؤولية هذه الحرب بينما في الواقع تظل تجني ثمارها فحسب ، وهي كثيرة لا تبدأ بصفقات السلاح الكبيرة والمتنوعة ولا تنتهي عند تدمير بلد يمثل مصدر قلق لها ولحلفائها في المنطقة.
لقد عملت هذه الدول على إظهار الصراح في اليمن بصفته صراعا محليا فحسب بينما في الحقيقة كل الأطراف اليمنية تعمل بالوكالة لصالح الأدوات الإقليمية لهذه الدول التي بيدها مفتاح الحل وبيدها الحرب والسلام .! فهل تتذكرون كيف سحبت هذه الدول سفاراتها من صنعاء رغم عدم وجود أي مؤشرات للحرب يومها حيث سحبت الولايات المتحدة طاقم سفارتها في صنعاء رغم أن السلطة فيها كانت تحميه بشكل مبالغ فيه ، لكنها انسحبت بطريق مرتبكة وسريعة رغم الأمان التي كانت تتمتع به ، وكذلك فعلت السفارات الغربية التي وصلتها أوامر الانسحاب من اليمن لأن دولها تحضر للحرب فيه ؟!
فالأمور ليست عفوية وتلقائية أبدا ، فهذه الحرب التي طحنت الشجر والحجر والبشر في اليمن هي حرب أمريكية بريطانية غربية صهيونية ، وإن تمت بأيدي السعودية والإمارات وأدواتهم في الداخل اليمني .لقد توصلت الدول الكبرى لقرار الحرب في اليمن بعد دراسات ومداولات ومشاورات وتقارير مكثفة حتى أن ما سمي بـ ” تحالف دعم الشرعية وإنهاء الانقلاب ” تم إطلاقه بقرار أمريكي بريطاني وهذه الدول ما هي إلا أدوات .و هذه الدول الكبرى درست المنطقة جيدا ، وهي تدرك الأهمية التي يمثلها اليمن بموقعه الاستراتيجي في أهم مضيق من مضايق العالم ، وفي منطقة هامة تمثل المصدر الأكبر للطاقة في العالم .
وتدرك ما يمثله اليمن برجاله الأشداء السباقون لدوما إلى نصرة القضايا الإسلامية ، والذين لم يتلوثوا بالأفكار الهدامة ، ولم تنجح في أوساطهم مشاريع التغريب ، حيث ما يزالون يمثلون العمق الأكبر للعرب وللمسلمين في كل العصور .فقد ادرك الغرب حقيقة أن اليمن يمثل العمق التاريخي الأهم للعرب وللمسلمين ، ويعلم قادته كيف كان أبناء اليمن هم من أعاد للإسلام ألقه حين أرتد بعض الأعراب بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويعلم أيضا أن أبناء اليمن هم من نشروا الإسلام في جنوب شرق آسيا ، وفي سواحل أفريقيا ، وهم من مثلوا طلائع الفتوحات الإسلامية ، وفتحوا الشرق والغرب ، ووصلوا إلى الأندلس وإلى جنوب فرنسا ، وكانوا دوما هم سفراء الخير ومن ناصروا كل قضية إسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ..
ويدركون أن أبناء اليمن كانوا هم أهل المدد لأبناء فلسطين أهل الرباط ، وأنهم كانوا حتى الأمس القريب رغم فقرهم أو بالأصح رغم إفقارهم هم من يمدون أبناء فلسطين بملايين الدولارات ويقفون معها في كل موقف ، وهم من يتدفقون كالسيول الجارفة عند أي انتهاك صهيوني للمقدسات الإسلامية في فلسطين ، وأنهم من كانوا يستقبلون قادة المقاومة من فتح إلى حماس استقبال الأبطال الفاتحين .قد أدركت هذه الدول ( أمريكا ـ بريطانيا ) ودول المركز الكبرى أن اليمن فيها عوامل النهوض والتنمية وأنه إذا وجدت في اليمن دولة عادلة فاعلة قوية فسيصبح قوة كبرى في المنطقة ، قوة تنصر الأمة وقضاياها العادلة ، وتقطع على هذه الدول الكبرى مصالحها ، وتفشل خططها ، وتخلط أوراقها ، ولذا تآمروا عليها وسلطوا عليها كلابهم وأدواتهم ومرتزقتهم ليمارسوا فيها كل هذا التدمير الممنهج منذ سنوات.