في مرحلة مفصلية من تاريخ أنظمة وحكومات وشعوب تقيم روسيا الاتحادية مؤتمر موسكو للأمن الدولي بمشاركة وزراء الدفاع وشخصيات دولية اخرى ، بالرغم ان هذا المنتدى يقيم دورته العاشرة وعلى اهمية ما تم مناقشته في الدورات السابقة الا ان انعقاده في هذا العام والعالم يعيش على صفيح ساخن نتيجة تسارع الاحداث الدولية ومخاوف من انزلاق الأوضاع الى حافة الهاوية نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاساتها التي ارخت بظلالها على جميع دول العالم كبيرها وصغيرها .
وبالنظر لما جاء على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي القاها في كلمة الافتتاحية لهذا المنتدى يستطيع المتابع ان يدرك بأننا نعيش في عالم مختلف تماما عما كان استقر عليه لعقود ماضية ، بوتين الذي اعلن عن ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب حيث لا مكانة للأحادية الأمريكية فيه يعبر صراحة عن صوابية الرؤية الروسية وصحتها عندما اتجه قادة الكرملين لإيقاف تمدد حلف الناتو على حدوده واتخاذ قرار الحرب مع حلف الأطلسي لتكون اوكرانيا هي ساحة تصفية الحسابات بين مجموعة الدول الكبار لتتحول هذه الحرب بكل جزئياتها لتخط الخطوط الأولى في خريطة النظام الدولي الجديد المتعدد الأقطاب .
وفي وقت تتغير فيه الخارطة السياسية الدولية التي مثلت واشنطن وحلفائها ذئابها الضالة المنفردة حيث لا قوانين ولا أعراف يحتكم اليها المجتمع الدولي سوى شريعة الغاب ،وعبر سياسة توزيع المهام يؤدي حلف الناتو مهمته الوظيفية بافتعال الازمات عبر تضييق الخناق على روسيا لتطويقها واخضاعها لهيمنة القطب الواحد تسعى واشنطن جاهدة لتطويق الصين عبر عسكرة المحيط الهادئ من خلال تحالف اوكوس وتزكية الصراعات من خلال عسكرة الجزر والمحيطات لإخضاع الصين من بوابة تايوان .
الا ان السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية القائمة على التدخل في الشؤون الداخلية للدول وافتعال الثورات وتذكية الصراعات ادت الى انشاء تحالفات دولية مثل تحالف الصين مع روسيا ومجموعة بريكس وغيرهما من التحالفات الدولية والاقليمية التي ساهمت في رسم الخارطة الدولية الجديدة لناحية شكل الحكم ونظامه القانوني وآلية العمل التشاركية لصانعي القرار التي تعيد حكم القانون والشرعية الدولية كحاكم أوحد لقرارات وسلوكيات الدول في حل أزماتها وهذا ينهي المعايير الأمريكية التي حكمت العالم لعقود والتي كان اساسها الهيمنة الأمريكية على صناعة القرار الدولي .
فقد حمل مؤتمر موسكو للأمن الدولي الكثير من الرسائل لواشنطن والغرب اهمها اعلان انتهاء النظام الدولي احادي القطبية وفتح جبهات جديدة مع واشنطن والغرب في دول تعتبرها واشنطن حدائقها الخلفية وسحب البساط من تحت قدمي الشركات المهيمنة على سوق السلاح العالمي في اكثر من قارة وما اعلان بوتين في هذا المؤتمر عن استعداد بلاده لتزويد حلفائها واصدقائها بأحدث الاسلحة ومن ضمنهم امريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا الا بداية لفتح فصل جديد من فصول الحرب الروسية الاطلسية تضاف لمجموعة المعارك التي خاضتها روسيا مع الغرب الامريكي منذ العملية العسكرية الخاصة في اوكرانيا وفي هذا ضربة روسية ستكون مؤلمة لو استطاعت روسيا تسويق اسلحتها المتطورة في دول تعتبرها واشنطن ضمن عرينها.
فنجاح موسكو بافشال العقوبات الاقتصادية الامريكية الغربية وعودة بعض شركات وول استريت للعمل بالسندات الروسية ما هي الا دليل على تسليم واشنطن بفشل منظومة عقوباتها ضد موسكو ، فهل ستقر واشنطن والغرب علنا بالهزيمة وتخضع للإرادة الروسية وحلفائها وتذهب للقبول بالنظام الدولي الجديد وتنهي عصر الهيمنة عبر التشاركية في صناعة القرار الدولي ام ستبقى على عنجهيتها وتكبد العالم المزيد من المعاناة عبر فتح بؤر توتر جديدة على امل ان تستعيد ما فقدته من مكانة دولية ؟