غموض بوتين الإستراتيجي.. متى سيبدأ!

للكاتب سماهر الخطيب

مرّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتجربتين جعلتاه محط اهتمام وسائل الإعلام العالمية الأولى أنّه خدم في المخابرات السوفياتية KGB إضافة إلى عمله كعقيد في مقر KGB خلال فترة تفكك الاتحاد السوفياتي وتحديداً في دريسدن، ألمانيا الشرقية ما يعني أن لديه ذكريات أفيال من العصر السوفياتي.أما التجربة الثانية فكانت بعد سقوط الاتحاد والتي أصبح فيها بوتين، عاطلاً عن العمل لفترة وجيزة وهو خريج كلية القانون وضابط سابق في المخابرات السوفياتية.

فقد تم التطرق إلى هاتين التجربتين هو أنهما كانتا السبب الرئيسي الذي جذب انتباه وسائل الإعلام العالمية نحو هذه الشخصية الغامضة وغير المفهومة للزعيم الروسي، لتكلل تلك التجربتين بترأسه روسيا الاتحادية عام 2000 وفي ذهنه فكرة مفادها “مقدّر لروسيا أن تكون رائدة العالم”. حتى في عام 1999، عندما كانت القوى الغربية – ومعظم الروس أنفسهم – قد شطبوا البلاد على أنها مفلسة وفوضوية، تصوّر بوتين أن “روسيا المستقبلية مستقرة سياسياً ومزدهرة اقتصادياً”. ولترجمة أفكاره إلى خطة عمل، كلف رئيس الوزراء آنذاك بوتين جيرمان جريف، بصياغة استراتيجية تنمية تم نشرها عشية رئاسة بوتين وأصبح يعرف باسم “بيان الألفية”.

ومع قرب نهاية رئاسته عام 2007، كلف بوتين مرة أخرى جريف بتحديث الخطة الاستراتيجية، وتمت صياغة النتيجة في “مفهوم التنمية الاجتماعية والاقتصادية طويلة الأجل للاتحاد الروسي”، الذي نشرته وزارة التنمية الاقتصادية والتجارة في أيلول 2007. وكان الهدف النهائي من هذا المفهوم هو أن تصبح روسيا واحدة من أكبر خمسة اقتصادات في العالم وترسيخ مكانتها كرائدة في الابتكار التكنولوجي والبنية التحتية للطاقة العالمية، وكذلك مركز مالي دولي رئيسي. فإذا تم تحليل شخصية الزعيم الروسي من منظور جيوسياسي، فإنه بدون أدنى شك يظهر كواقعي براغماتي كامل يضع دائماً “أمن” روسيا على رأس أولوياته.

ولمن يريد فهم خلفية الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، فيتوجب عليه دراسة التحول بعد عام 2004 للسياسة الخارجية الروسية. ناهيك عن أنّ 2004 عاماً مهماً في تحوّل السياسة الخارجية الروسية وذلك لسببين رئيسيين، الأول أنه شهد بداية توسع الاتحاد الأوروبي شرقاً، وبالتالي حشود الناتو بالقرب من الحدود الروسية. والثاني اندلاع الثورات الملونة في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي بدءاً من أوكرانيا، حيث تعتبر روسيا أنّ هذه الثورات كانت برعاية الناتو للإطاحة بالأنظمة الصديقة لروسيا. ولهذين السببين تحديداً أصبح مصطلح “أمن المجال الروسي” الهاجس الرئيسي للنخب السياسية والأمنية الروسية.

وبصفته واقعياً براغماتياً، يعتقد بوتين لروسيا الحق الطبيعي في ضمان أمنها في فضاء ما بعد السوفيات، وهذا ما يجعل الحرب مع جورجيا (2008) وضم شبه جزيرة القرم (2014) مجرد هدوء ما قبل العاصفة، ودعوة يقظة للناتو للتخلي عن توسعه على طول الحدود الروسية إنما لم يتم تلقي هذين الحدثين الرئيسيين كتحذيرات رئيسية.وبالاعتماد على الأحداث الأخيرة، بدءاً من الهجمات المتزايدة على شبه جزيرة القرم إلى محاولات إثارة كارثة نووية في زابوروجيا وصولاً إلى عملية الإغتيال الخبيثة لداريا دوغين، نسنتنج  أن الناتو الذي يقاتل روسيا باليد الأوكرانية “قرر الوقوف على الطرف الآخر حتى النهاية”، باعتبار أنّ “روسيا تحدّت الغرب كحضارة ليكون الاستنتاج الصارخ بعيد هذه التصعيدات المتوالية بأنّه “علينا أن نقطع كل الطريق.

ويبدو أن روسيا  بدأت فعلاً، كمن “يذبح بالقطنة” مع إعلان شركة “غاز بروم” إيقاف توريد الغاز إلى أوروبا حتى إشعار آخر. ورغم ما قالته بأن سبب الإيقاف هو لأسباب فنية مفادها “بأني لا أستطيع إصلاحه بسبب العقوبات”، غير أن الأسباب السياسية واضحة أيضاً، فروسيا غير راضية عن الوضع الحالي بشأن خطي غاز نورد ستريم 1 و 2 ومن خلال ما قامت به تريد إرسال رسالة مفادها “إما إلغاء العقوبات أو لن يصل الغاز”، وهي معادلة فرضها سابقاً “الغاز مقابل الروبل”، أضف إلى كونه إشارة واضحة لألمانيا تحديداً، تقول بأنه إذا أريد الغاء  الغاز فانه ينبغي العمل على إنهاء خط غاز (نورد ستريم 2) أيضاً الذي قامت المانيا  بإلغائه خاصة وأنّ إحتياجاتها من الغاز يبلغ  85 مليار متر مكعب سنوياً.

مقالات ذات صلة