عندما تقول الولايات المتحدة الأمريكية،على لسان مبعوثها إلى اليمن ” تيم ليندركينغ” أن دول مجلس التعاون الخليجي تؤمن ألّا حل عسكريا باليمن، وأن الإدارة الأمريكية تعمل مع دول المجلس من أجل إرساء سلام دائم باليمن، فهذا يؤكد ان موضوع حسم الحرب عسكريا باليمن الذي كان يتوخاه التحالف(السعودية والإمارات) قد طوي أمره تماما، وأن الخارطة العسكرية التي شكلّـتها هذه الحرب على واقع الأرض بالشمال والجنوب خلال الثماني سنوات من عُـمر هذه الحرب هي مَـن سيحدّد ملامح وتفاصيل العملية السياسية القادمة وسترسم تضاريس الخارطة السياسية اليمنية، أكان يمنٌ فيدرالي أو يمنَـيين أو أكثر من يَـمن.
فتصريحات المبعوث الأمريكي لم تُـرم على عواهنها، فهي تُـعبّـر عن رؤية بلاده، بل وقرارها واجب التنفيذ من قبِـل حلفائها الخليجيين واليمنيين بشأن هذه الحرب، فالإدارة الأمريكية مثقّـلة بملفات معقدة كثيرة داخلية ودولية، تحاول أن تلقيها من على كاهلها الذي ينوء بالكثير، ومنها ملف حرب اليمن.وصحيح أن المملكة العربية السعودية باتت على قناعة بفشل حربها(عاصفة الحزم) باليمن بعد أن أخفق جيشها والقوات الموالية لها باليمن من تحقيق أي انتصار حقيقي على الحركة الحوثية وشركائها في الشمال، بل وصارت الكفة العسكرية تميل بشكل واضح لهذه الأخيرة.
إلا أن هذا التأكيد الأمريكي على ضرورة تجاوز فكرة الحسم العسكري يقطع الطريق على التحالف بالتفكير باستئناف القتال مجددا تحت ضغط الحلفاء المحليين وبالذات حزب الإصلاح (إخوان اليمن) الذي يجأر بالشكوى عاليا بوجه التحالف جراء الهزائم التي يتلقاها هذه الأيام تباعا بمحافظات استراتيجية بالجنوب لمصلحة المجلس الانتقالي الجنوبي( انبثق منتصف 2017م من رحم الحراك الشعبي وينشد استعادة جمهورية اليمن الديمقراطية ،ويحظى بدعم إماراتي واسع وبقاعدة شعبية)، ويشعر الحزب بان ثمة طعنات قد سددها له التحالف تستهدف اضعافه جنوبا بعد أن فقد الأمل بهزيمة الحوثيين والعودة لسدة الحكم في صنعاء.
والسعودية من جانبها تتلمس طريق السلام والسلامة للخروج من ورطة حرب دامية أرّقتها وأرهقتها كثيرا برغم التهديدات التي تتلقاها من حليفها اليمني الرئيس بهذه الحرب ونعني حزب الأصلاح الذي يلمح ويصرح كثيرا من خلال قياداته ونشطاؤه أنهم سيتحالفون من الحوثيين، وهو الأمر الذي إن تم سيمثّـل كابوسا عسكريا وأمنيا مريعاً للمملكة، خصوصا على حدها الجنوبي المرتعش- وعلى عمقها الاقتصادي أيضا- اللذان يعيشان يقبهدعان حتى اللحظة في دائرة الاستهداف.
وان الإمارات العربية المتحدة التي لا ترتبط بحدود جغرافية مع اليمن، ولا هواجس أمنية مباشرة تقلقها مع اليمن، وتناصب حزب الإصلاح العداء برغم الشراكة التي تجمعهما والعدو الجامع بينهما (حركة أنصار الله، الحوثية) فانها أي الإمارات تعمل منذ بداية الحرب على مسارين بالشمال والجنوب: ففي الشمال الذي فشل فيه التحالف بإيجاد قوة سياسية وعسكرية وشعبية موازية لحركة الحوثية القوية التي تحظى بنفوذ طاغ هناك،فإنها (الإمارات) تعمل على إعادة إحياء حزب الرئيس الراحل صالح(المؤتمر الشعبي العام) في مناطق استراتيجية شمالا وغربا بالنسبة للإمارات كالساحل الغربي للبحر الأحمر ومضيق باب المندب. وفي الجنوب تقوي من شوكة حليفها الرئيس الطرف الجنوبي- وبالذات المجلس الانتقالي الجنوبي- عسكريا وسياسيا وترسخ حضورها بشكل مثير للجدل بمناطق وجزر جنوبية هامة.
والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعيش هذه الأيام أفضل حالاته منذ تأسيسه استفاد كثيرا من عودة الإمارات لمسرح الأحداث العسكرية والسياسية في اليمن بعد انقطاع دام عامين تقريبا إثر ازمة صامتة مع السعودية، فمن خلال الدعم الإمارات أحرز المجلس الجنوبي نجاحات عسكرية وأمنية وسياسية غاية بالأهمية في محافظتي شبوة وأبين وعزمه على التوجه صوب محافظتي حضرموت والمهرة الغنيتين بالنفط والغاز وبالموقع الجغرافي، واستطاع على إثرها- ومن بوابة التصالح الجنوبي- كسب ودّ ومواقف قيادات وقوى عسكرية وأمنية وسياسية جنوبية وازنة كانت على خلاف معه، ولكن تقدمه صوب حضرموت شرقا اصطدم على ما يبدو بالفيتو السعودي.