ما الذي يحدث في الحرب الروسية الأوكرانية ، ولماذا تراجع أداء القوات الروسية واضطرت بعد حوالي سبعة أشهر من بداية الحرب للانسحاب من عدة مناطق سبق أن احتلتها بما فيها مدينة خاركيف ومناطق أخرى في جنوب وشرق أوكرانيا ؟ ومن يحارب من في أوكرانيا ؟ وهل ما يحدث هو عودة للحرب الباردة ؟ أم أنها حرب تشنها أمريكا على روسيا بالوكالة وعينها على الصين أكبر حلفاء روسيا وأكبر منافسي الولايات المتحدة على زعامة النظام العالمي الآخذ في التشكل وذلك بعد ثلاثة عقود من تفكك الإتحاد السوفيتي وانهيار النظام العالمي السابق ثنائي القطبية ؟
فعندما بدأت روسيا تهديداتها لأوكرانيا وحشدت قواتها على حدود تلك الدولة (التي نالت استقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991) لم يكن يخطر ببال أي محلل سياسي أن أوكرانيا يمكن أن تصمد أمام القوات الروسية أكثر من عدة أسابيع على أقصى تقدير ، وذلك نظرًا للخلل في موازين القوى بين أوكرانيا وروسيا ، فروسيا هي الدولة العظمى التي ورثت عن الاتحاد السوفيتي ترسانةً هائلة من الأسلحة التقليدية والنووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى ، كما ورثت جيشاً كبيراً مجهزاً بأحدث تقنيات القتال في البر والبحر والجو. فما الذي حدث حتى تتمكن دولة مثل أوكرانيا من الصمود لسبعة أشهر أمام قوة روسيا العظمى .
والجواب ببساطة أن الجيش الأوكراني يحارب بالأسلحة الحديثة والمتطورة التي تزوده بها الولايات المتحدة ودول الناتو الأوروبية والحلفاء الآخرون الذين أخذوا على عاتقهم هزيمة القوات الروسية . وكما تتلقى القوات الأوكرانية دعماً لوجستياً واستخباراتياً كبيراً من واشنطن التي سخَّرت كل إمكانياتها ، باستثناء التدخل المباشر في القتال ، من أجل هزيمة القوات الروسية ، كما شنت حملة سياسية ودبلوماسية لشيطنة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” وإظهاره بمظهر الحاكم الفرد الدكتاتور والطاغية الذي يسعى إلى اجتياح الدول الأوروبية المحيطة وضمها إلى الإمبراطورية الروسية التي يحلم بها ، لا سيما تلك الدول التي كانت ضمن المعسكر السوفيتي السابق أو كانت تجري في فلكه .
ويستنتج من ذلك أن الحرب الجارية حالياً في أوكرانيا ليست حرباً بين كييف وموسكو بقدر ما هي حربٌ بين موسكو وواشنطن بالوكالة ، الأمر الذي يذكرنا بحرب الوكالة التي شنتها واشنطن عند اجتياح الاتحاد السوفيتي لأفغانستان عام ١٩٧٩ مع الفارق بأن وكيل الولايات المتحدة في حرب أوكرانيا هو الجيش الأوكراني والمتطوعين من الدول الأوروبية والدول الحليفة الأخرى ، بينما في حرب أفغانستان كان وكيل الولايات المتحدة أسامة بن لادن والمجموعات الإسلامية المتطرفة المتحالفة معه والتي قدمت لها واشنطن كل الدعم العسكري اللازم بما في ذلك صواريخ مضادة للطائرات والتي تُحمل على الكتف .
فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوباتٍ اقتصادية على روسيا استهدفت أجزاءً ضخمة من الاقتصاد الروسي واستهدفت بنوكاً وشركات ورجال أعمال وأعضاء في الحكومة الروسية وعدد كبير من الأثرياء الروس المؤيدين للرئيس بوتين (الأوليغاركيا الروسية) إضافة إلى حظر استيراد النفط والغاز من روسيا بما في ذلك حرمان روسيا من نظام سويفت المصرفي المعمول به عالمياً والذي تديره واشنطن . وقد ردت روسيا على العقوبات الغربية بعقوبات روسية على الدول الأوروبية كان أهمها وقف تصدير الغاز إلى أوروبا . وفي ظل عدم قدرة الدول الأوروبية حتى مع كل الجهود التي تبذلها بالتعاون مع واشنطن على توفير البديل عن الغاز الروسي ، لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء البارد.
فقد وجدت الدول الأوروبية ، خاصةً ألمانيا ، نفسها في مأزق ، إضافة إلى موجة ارتفاع نسبة التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية في أوروبا وفي الدول الأخرى التي كانت تعتمد في أمنها الغذائي على القمح والحبوب المستوردة من أوكرانيا ، في ظل هذه الظروف أيضاً نجمت حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في أوروبا وفي العالم ولم تعد روسيا وحدها تعاني من تأثير العقوبات الإقتصادية كما لم تعد أوروبا وحدها تعاني من تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا.وفي ضوء ما تقدم ، وسواء كانت قناعتنا أن الحرب الجارية حالياً في أوكرانيا هي حرب بالوكالة بين الدولتين العظميين أو أنها حرب بين دولة عظمى ودولة غير عظمى تتلقى من أجل ذلك الدعم والمساندة من القوة العظمى الأخرى.