ما تفعله كوريا الشمالية الان، بل ومنذ مدة ليست بالقصيرة لابد وان يثير مشاعر مختلطة لدى شعوب العالم الثالث، فالشعور الاول هو بالغبطة لمشاهدة دولة صغيرة تتحدى كل من يحاول ان يحجمها، وخاصة القوة العالمية التي فعلت ما فعلته، وما تزال تفعله بحق بلدان العالم المختلفة وشعوبها، ومرت كل جرائمها دون رد مناسب. والشعور الثاني ربما يكون مليء بعلامات الاستفهام على الطريقة التي تتعامل فيها الولايات المتحدة والدول الغربية مع كوريا الشمالية بعد كل التحدي الذي تبديه، وعدم الاهتمام بالتهديدات والعقوبات والتحذيرات التي توجه لها.
وتقول بيونغ يانغ انها اطلقت صاروخا عابرا للقارات سقط قرب اليابان، وقبلها ستة صواريخ مر قسم منها فوق كوريا الجنوبية وكل مافيها من قواعد عسكرية امريكية، واخر فوق سماء اليابان الدولة الحليفة للولايات المتحدة والتي هي الاخرى تاوي قواعد امريكية ايضا. وهذه الحالة التي مرت وسط ردة فعل امريكية واوربية باهتة، وصلت الى حد تجاوز الاعلام الامريكي والغربي عليها، تذكر بالضجة الكبيرة التي احدثتها واشنطن ولندن وتل ابيب حول العراق، بعد نهاية الحرب مع ايران، بل وقبل ذلك ايضا. واهمها الاكاذيب التي اعتُبِرَت حقائق دامغة عن امتلاك العراق لاسلحة دمار شامل، وصواريخ بقدرات نووية يمكنها الوصول الى لندن واجزاء من الولايات المتحدة،وطائرات قادرة على الوصول الى عواصم اوربية وقصفها.
ولان الاعلام الغربي القادر على ترويج الاكاذيب قد روج لها، والاخطرصدقتها الامم المتحدة ومجلس الامن بالذات ووافق على شن الحرب على العراق في عام 1991، وللتذكير فان هذه الاكاذيب لم تات على لسان اشخاص عاديين وانما جاءت على لسان اعلى القيادات الامريكية والبريطانية والاسرائيلية، وزير الخارجية الامريكي كولن باول مثلا تحدث بثقة وبدون خجل عن هذه الاكاذيب في مجلس الامن، وتوني بلير تحدث علنا، وامام شاشات التلفاز عن قدرة العراق على تجهيز هجوم نووي على الغرب في ظرف 45 دقيقة. واجهزة المخابرات الرصينة، مثل جهاز المخابرات الالماني الذي روج لقصة العميل التافه الذي عُرِف بلقب (كرة الثلج)، في نفس الوقت التي كانت التقارير الداخلية السرية لنفس الجهاز تقول ان قصة ذلك العميل كانت مفبركة وكاذبة، لكنها ايضا اعتمدت لغرض تدمير العراق.
فكوريا الشمالية تحدت العالم باعلانها صراحة عن امتلاكها للسلاح النووي، وتتحدى العالم بشكل شبه يومي باجراء تجارب نووية واختبار لصواريخها البعيدة المدى القادرة على حمل رؤوسا نووية، ولا تقوم الدولة التي نصبت نفسها شرطيا على العالم منذ عام 1990 ولحد الان، من القيام باي عمل رادع على تجاوزات تُعرِّض السلم والامن العالميين حقا وفعلا لاخطار كبيرة، الامر الذي يثير الدهشة، انه في الوقت الذي كان الحصار المميت والقصف المستمر للعراق والاعداد لعملية احتلاله تجري على قدم وساق، كانت كل اجهزة المخابرات الامريكية والغربية تمتلك معلومات موثقة عن سعي كوريا الشمالية لامتلاك سلاح نووي، او امتلكته بالفعل.
اليست هذه مفارقة بل نفاق سياسي كبير؟ اليس هذا هو الكيل بمكيالين بعينه؟ اليس هذا دليل اخر على ان الولايات المتحدة لا تابه بما يحدث في مناطق العالم المختلفة طالما انها كانت بعيدة عن التاثير على سلامة وامن طفلتها المدللة اسرائيل؟ الا ينبغي ان يكون ذلك رادعا لاولئك الذين لا يزالون يلهثون وراء الولايات المتحدة من اجل كسب رضاها على حساب مصالح شعوبهم؟ واخيرا اليس هذا دليل كاف ودامغ على ان الولايات المتحدة خاصة والدول الغربية بصورة عامة، تكن كرها دفينا للمسلمين بصورة عامة، وللعرب من بينهم خاصة وبصورة استثنائية؟
هذه ليست دعوة للسكوت عما تفعله كوريا الشمالية من تطوير لاسلحتها للتدمير الشامل، وكذلك ليست دعوة لتدمير كوريا الشمالية، ولكنها تذكير وبالم لمًا جرى من اتخاذ اجراءات اميركية بحق غيرها من البلدان وتدمير مبني على شبهات كاذبة، بينما مع وجود كل الادلة الواضحة والاعترافات والافعال الكورية الشمالية يختار الرئيس الامريكي السابق اللقاء والحوار مع رئيس كوريا الشمالية ويختار الرئيس الحالي اما السكوت او استخدام كلمات تحذير غير مؤثرة، بدليل ان بيونغ يانغ مازالت مستمرة في تحديها. اما اسرائيل التي اقامت الدنيا واقعدتها بالحديث عن امتلاك العراق لبرنامج نووي متقدم وعن قدرات سوريا لامتلاك سلاح نووي، والان تهدد ايران بالتدمير لنفس السبب، لا تقل كلمة واحدة عن كوريا الشمالية، وربما تتعاون معها من تحت الطاولة كما تفعل مع الصين في مجال التسليح.