أكد البيان الختامي للاجتماع الدولي التاسع عشر بصيغة أستانا حول سوريا، أن كلا من روسيا وتركيا وإيران أعلنت ضرورة تنفيذ الاتفاقات الخاصة بشمال سوريا، وأشار إلى أن الدول الضامنة جددت التزامها بسيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها.وقد تمت في الاجتماع مناقشة الوضع في شمال شرقي سوريا، والاتفاق على أن تحقيق الأمن والاستقرار المستدامين في هذه المنطقة لا يمكن تحقيقه إلا على أساس الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، ورفض جميع المحاولات لخلق واقع جديد “على الأرض”، بما في ذلك المبادرات غير المشروعة للحكم الذاتي بذريعة مكافحة الإرهاب.
كما جدد المجتمعون تصميمهم على مقاومة المخططات الانفصالية في منطقة ما وراء الفرات، تلك المحاولات التي تهدف إلى تقويض وحدة سوريا، وتهديد الأمن القومي لدول الجوار، بما في ذلك الهجمات العابرة للحدود وعمليات التسلل.وقد تضمن البيان تسعة عشر بندا تناولت على نحو مفصل الوضع في سوريا ومسار الحل السياسي للأزمة السورية واجتماعات اللجنة الدستورية وقرار مجلس الأمن رقم 2254 وضرورة تأمين المساعدات لسوريا للشروع في إعادة الإعمار وتجاوز العقوبات والحصار الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ضد سوريا وشعبها. وذلك يؤكد بما لا يدع مجالا للشك حساسية الوضع، وخطورة التوترات، ومدى الجهود المكثفة التي تبذلها مجموعة أستانا لخفض هذا التوتر والحيلولة دون اضطرار تركيا للقيام بعملية عسكرية برية على الأراضي السورية.
إلا أن الجديد في هذا الاجتماع هو ما ورد في البند الخامس، فيما يخص الوضع في الشمال الشرقي لسوريا، وتأكيد الأطراف الثلاثة (روسيا وتركيا وإيران) على الحفاظ على السيادة السورية ووحدة الأراضي سبيلا وحيدا للتوصل إلى سلام واستقرار دائم في هذه المنطقة، ورفض محاولات الانفصال والتقسيم.إلا أن الأهم من كل ذلك هو أن التصعيد في الشمال السوري لا ولن يمكن معالجته إلا بعد التخلص المرض قبل العرض، والمرض هو خروج الأراضي عن سيطرة السيادة السورية في دمشق، بمعنى أنه يجب عودة السيطرة التامة للحكومة السورية على كافة أراضيها، وإنهاء الوجود الأجنبي غير الشرعي على تلك الأراضي.
والمطلوب اليوم هو التهدئة من الجميع، وتخفيف حدة التلاسن والعداء الإعلامي لإتاحة الفرصة للجهود الدولية التي يتم بذلها من أجل تفادي تفاقم الأوضاع الراهنة، وتحول عمليات القصف التركي لمناطق معينة إلى عملية برية واسعة.وربما يظن الأكراد، ولو لم يتم ذكرهم بالاسم بطبيعة الحال، أنهم معنيون بالبند الخامس دون غيرهم، وهو ما قد يكون قد سبب أو سيسبب لهم إزعاجا لما اعتبروه بندا عدائيا، وعبّر بعضهم عن دهشته لتوقيع روسيا على بيان بهذا المضمون، خاصة وأن ذلك البند يمكن أن يتم تفسيره بوصفه “ضوءًا أخضراً” لتركيا بقصف مناطق الشمال الشرقي للأراضي السورية، والأراضي العراقية حيث يتواجدون، بل وربما خوض حرب برية ضد الأكراد.
ولا بد ان تكون هنا من وقفة نضع فيها النقاط على الحروف، ونؤكد أولاً على أن ما جرى في إسطنبول الأسبوع الماضي هو بالقطع عملية إرهابية راح ضحيتها 6 أبرياء، وعشرات الجرحى من المواطنين المدنيين العزل، والسياح، ناهيك عما أسفرت هذه العملية من ضرب للاقتصاد والسياحة وأوساط الأعمال في وقت يهتز فيه اقتصاد العالم من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه. والاتفاق ثانياً على أن هذه العملية الإرهابية موجهة لا إلى النظام التركي بقدر ما هي موجهة، في واقع الأمر، إلى عامة الشعب، والأجانب من السياح. وثالثاً، وهو الأهم، فإنني على يقين تام أنه يتعين على الجميع المشاركة في ملاحقة هؤلاء المجرمين على هذا المستوى الذي يستهدف المدنيين.
ويجب ان لا ينسى اللوبي الصهيوني، المتحكم في الاقتصاد الأمريكي والعالمي، تهمه الحروب، وبيع وتهريب الأسلحة، وازدهار المجمع الصناعي العسكري، خاصة وأن العملية الإرهابية في إسطنبول قد تم التخطيط لها من قبل جهاز أمني متخصص، يبدو أن له أهدافاً أبعد بكثير من تحريض تركيا على القيام بعملية عسكرية برية ضد الأكراد في سوريا والعراق. ولهذا فأنه من الضروري أن يتحلى الجميع، سواء في تركيا أو سوريا أو العراق أو الأكراد أو النظام في دمشق، بضبط النفس، والامتناع عن أي استفزازات لإفساح المجال لجهود من يسعون بصدق إلى تهدئة التوتر السائد بين الجميع في الشمال الشرقي لسوريا والعراق.