شهدت العلاقات المصرية التركية توتراً متصاعداً يتجاوز التصريحات الدبلوماسية، وذلك لدعم الرئيس التركي أردوغان للرئيس الأسبق محمد مرسي، وإعتبار عزله إنقلاباً عسكرياً قاده السيسي، وخلال المحافل الدولية كانت الحكومة التركية تلقي بتصريحات ضد الأحداث السياسية بمصر، وتنفي شرعية الحكم بإستمرار، واحتضنت تركيا جماعة الإخوان المسلمين، وقدمت لهم الدعم السياسي والمالي والإعلامي.لكن اليوم جمعت أرض قطر خلال حفل افتتاح كأس العالم 2022 كلاً من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والرئيس التركي رجب أردوغان، ما يثير الدهشة والتساؤلات حول ما الذي يمكن أن يتمخض عنه ذلك اللقاء، فهل ستتحقق مصالحة ثنائية برعاية الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أم أنه من الصعب تحقيق ذلك بعد أن بقيت تركيا وحيدة بين دول المنطقة ؟
وأمام ذلك، إن تزامن زيارة السيسي وأردوغان لقطر هو السبب الرئيسي فى طرح هذا السؤال، خاصة فى ظل ما يتردد دولياً وإقليمياً حول وجود مبادرة قطرية لإحتواء الخلافات المتفاقمة بين مصر وتركيا، هذه الزيارة لم تكن مصادفة عابرة، بل تم التخطيط لها بوساطة قطر وموافقة الطرفين، بعد أن قرر أردوغان التراجع عن رفضه للقاء السيسي، وأزالت مشكلة وعقبة كبيرة كانت تقف أما تطور عملية تطبيع العلاقات بين مصر وتركيا، وكان هناك حاجة ماسة لمثل هذه الخطوة قبل ان يتم تبادل الزيارات بين البلدين على مستوى الرؤساء.
ومن هنا يلاحظ بأن الشعب التركي يؤيد الخطوات التي تخدم مصالح مصر وتركيا وأمنهما القومي، وبالتالي فهو يرحب بترميم تركيا علاقاتها مع مصر من أجل مصالح البلدين، وفي قراءة سريعة لكواليس التحول السريع التي فرضت على الجانبين المصري والتركي إنهاء الخلاف وفتح صفحة جديدة، عدة عوامل وعلى رأسها العامل الاقتصادي الذي يمثل محوراً أساسياً في سياسة تركية الخارجية، وعليه يملك الأتراك مصالح إقتصادية كبيرة مع مصر، لذلك فإن ضرر تركيا سيكون أكثر لو إزدادت حدة الصراع بين مصر وتركيا، ليس هذا فحسب بل أن تركيا حالياً تستخدم الموانئ المصرية لتصدير بضائعها الى دول الخليج وإفريقيا.
وفي الاتجاه الأخر هناك أقاويل تتردد هنا وهناك بأنه يوجد محاولات عديدة لإزالة الخلافات بين دمشق وأنقرة، خاصة أن تركيا لديها مشاريع خاصة بالمنطقة، وترى أنه لن يكتب لها النجاح إلا من خلال وجود توافق بين دول المنطقة الرئيسية وعلى رأسها دمشق، والدليل على ذلك غيّرت وسائل الإعلام التركية طريقة تناولها للشأن السوري، فيما وصف بأنه تمهيد لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتمثل ذلك في إستعراض تاريخ التعاون بين دمشق وأنقرة، وحجم استفادة تركيا من الإستثمارات السورية، ومن تابع تصريحات وتهديدات الرئيس اردوغان في بداية الأزمة السورية لا يمكن ان يتوقع تراجع نبرته تجاه سورية في هذه الفترة.
لذلك يبدو ان تركيا اقتنعت أخيراً، على قبول الحل السلمي للأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية دون التهديد باستخدام القوة ضد سورية، وهنا يمكنني القول إن الدلالات و التوقعات تشير الى أن يتوجه الرئيس التركي أو وفد رسمي الى دمشق لتسوية الخلافات مع الحكومة السورية بأسرع وقت ممكن.وهنا لا يمكن لأحد في العالم أن ينكر الدور الرئيسي الذي لعبته تركيا سياسياً وعسكرياً وإستخباراتياً بالحرب على سورية ومشاركتها الرئيسية بتدمير سورية، لكن برغم ذلك فشلت أنقرة في تحقيق أحلامها بالمنطقة، الأمر الذي تسبب في الإضرار بمصالح تركيا كونها إتبعت سياسة خارجية خاطئة، فضلًاً عن زيادة نفوذ حلفاء سورية في المنطقة ووقوفهما ضد أهداف تركيا.
وأخيراً يمكن القول إن إعادة مثلث ” سورية ومصر وتركيا” وهو مثلث يمثل في الظروف الحالية حاجة إستراتيجية للأطراف الثلاثة، فهي أطراف تتكامل فيما بينها، على الأقل إقتصادياً، والتنسيق بينها داخل مثلث إقليمي سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن سيشكل حاجزاً للدور الغربي المدمر سياسياً للعالم العربي، ومنطلقاً للتأسيس لحالة من الإستقرار في خضم المرحلة المضطربة حالياً، وخلاصة القول ارى إنه آن الأوان لنتعاون مع باقي قوى التوازن بالعالم لإنقاذ سورية من الدمار والخراب، وتجاوز أزمتنا والمضي بوطننا الغالي على قلوبنا نحو الأفضل.