تكثر التحليلات والدراسات التي تبحث في تطورات العملية العسكرية الروسية الخاصة في دونباس والتي تحاول فهم العقلية البوتينية في مجريات هذه العملية وهل ستكون عملية استنزافية تستنزف بتبعاتها الإقتصادات العالمية وسط تساؤلات حول ما يجري خلف أبواب الكرملين من سياسات وما ينعكس عليه من استراتيجيات البيتين الأبيض والأوروبي للضغط عليه بالذراع الأوكراني الذي بات ذراعاً ناتوياً في الفضاء الروسي.وما تم تفنيده من أسباب العملية الروسية الخاصة والتي جاءت أولاً لحماية أهالي دونباس من محاولات الإبادة التي كانت تقوم بها السلطات “النازية” في أوكرانيا طيلة ثماني سنوات وثانياً رداً على التهديدات الأمنية التي تعرضت لها روسيا من تهديد أمنها القومي وصولاً لتهديد أمنها الإقتصادي والغذائي
واليوم وبعد أشهر من هذه العملية التي لعبت على عامل الوقت فكان النفس الروسي فيها طويلاً وما يزال صامداً أمام الدعم الغربي الناتوي المالي والعسكري لأوكرانيا ضدّ روسيا الاتحادية في محاولة لإنهاكها ليبدو أنّ السحر ينقلب على الساحر والنفس الروسي الطويل قابله ضيق تنفس غربي في مواجهة شتاء شديد البرودة تتجمّد معه الخيارات الغربية وتتصدّع الوحدة الغربية الناتوية في مواجهة القوّة الروسية التي أعيت الغرب ببرودة أعصابها وبرودة ردّها حتى با الشتاء روسياً بطقسه وسياساته وأصبح القطب المتجمّد الشمالي إمتداداً للسياسة الروسية المتجمّدة وباتت إنعكاساً له أمام كل التحليلات والدراسات التي تسعى لفهم العقلية البوتينية.
وفي محاولة أميركية لمواصلة حربها مع روسيا بالذراع الأوكرانية طلب الرئيس الأميركي جو بايدن الحالي، من الكونغرس تخصيص 37.7 مليار دولار أخرى لأوكرانيا، وهنا ربما يتم توقع زيادة عدد ضربات الطائرات بدون طيّار وكذلك الهجمات الإرهابية الأوكرانية في العمق الروسي ليتكرر سيناريو تفجير جسر القرم ونورد ستريم بعيد هذه المساعدات ورفع سقف التصريحات الأميركية والناتوية المناهضة لروسيا. وانّ من يقول بفشل العملية الروسية وبضعف القرار الروسي في أوكرانيا فعليه قراءة الأرقام وهذا غيض من فيض الدعم الذي تتلقاه أوكرانيا من الغرب حتى باتت شراهة زيلينسكي خارج السيطرة وباتت معظم الدول الغربية في حرج أمام شعوبها لإرضاء الشهية “النازية” على حساب الحاجة الطاقوية لشعوبها..
أما روسيا التي أعيت المحللين لقراءة تكتيكاتها العسكرية والتي وضعت بتلك التكتيكات العسكرية فصلاً جديداً من “فن الحرب” الذي وضعه صن تزو قبل مئات الأعوام لتصبح الإستراتيجية الروسية العسكرية استراتيجية هجينة ومتطورة تداخلت فيها الوسائل والأدوات فبينما كان الغرب يستخدم الاقتصاد لخدمة الحرب كان أحد الأسلحة الروسية المستخدة للمواجهة باستخدامها لسلاح موجه ضدّها فبات الغرب أمام أزمة عالمية طالت قطاعاته كافة وكأنما فتح بيديه صندوق باندورا ولم يعد قادراً على كبح التضخم الذي طال إقتصاداته.
وفي مقارنة الإنفاق نجد أن روسيا عادة ما تنفق حوالي 60 مليار دولار سنوياً على جيشها، في حين تنفق أميركا أكثر من 1.2 تريليون دولار سنوياً وبعضها ينفق في الإدارات الفيدرالية غير العسكرية، مثل وزارة الخزانة، وذلك للاختباء من الجمهور تقريباً، حيث تفيد بعض التقارير الإعلامية أنّ 400 مليار دولار سنوياً من الإنفاق العسكري الأميركي الذي لم يتم دفعه من “وزارة الدفاع”. لذلك يمكننا القول بأنّ إنفاق الولايات المتحدة حوالي 20 ضعف ما تنفقه روسيا على الدفاع في العام العادي.. وهي بالضبط 20 إلى 1 ميزة الإنفاق العسكري.ويبدو أنّ الإستراتيجية الرئيسية لإدارة بايدن وفق معدّل الإنفاق الهائل في أوكرانيا هي هزيمة روسيا في ساحات القتال الأوكرانية، وبالتالي “الإطاحة” بفلاديمير بوتين وهي الخطوة الأولى لواشنطن لغزو روسيا وجعلها جزءاً آخر من الإمبراطورية الأميركية .
وهذا بالضبط ما كان متنبهاً له الرئيس الروسي حين وجد أنّه أمام خيارين إما تقسيم روسيا أو تقسيم أوكرانيا فأراد المواجهة حتى النهاية وعدم التراجع إذ لا معنى لوجود العالم بدون روسيا وفق ما أعلن بوتين في إحدى تصريحاته الساخنة إنما بخطط وعقلية روسية بعيدة عن التكهنات الغربية.كما أنّ عامل الوقت بات يحكم الشعوب الأوروبية والأميركية في مواجهة شتاء قارس وجشع أميركي استحوذ على العقلية الغربية حتى باتت ريبورتات بتشغيل الرغبات الأميركية خاصة وسط توقعات مجلة “ذا إيكونوميست” بأن يموت حوالي 147 ألف شخص في أوروبا خلال فصل الشتاء .