من الأمور التي حدثت هو الامتناع الحاصل من دول الإتحاد الأوروبي عن قبول تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي، رغم أنها عضو مؤسس ومهم في الناتو، وتشارك الإتحاد البقعة الجغرافية نفسها، وقد حرصت تركيا على كسب هذه العضوية الأوربية كل الحرص، وجهدت في ذلك جهدها، حتى أنها لم تترك فضيلة أو رذيلة أوربية إلا وجنستها بالجنسية التركية، حتى أصبحت رذائل أوروبا وفضائلها وقيمها تصنع في تركيا، ولكن مع كل هذا وذاك حرص الأوروبيون على الثبات على موقفهم الرافض لإنضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي.
إن الإزدواجية في المعايير عقيدة غربية، تنزل من الغربيين منزلة الطبع وسجية النفس، فلما كان لهم غرض في ضم تركيا للنيتو لم يتوانوا في ذلك، وحين غابت المصلحة لأجل قبول عضويتها في الإتحاد الأوروبي لم يترددوا في رفضها، وذلك أن الهدف من قبولها في النيتو لم يكن لذاتها، وإنما رغبة من الغرب في إبعادها عن الدخول في حلف مع الإتحاد السوفياتي، ولأجل محاصرته، وذلك للموقع الجغرافي، ولولا رغبة الغرب وحرصه على محاصرة الإتحاد السوفياتي ومنع تمدده، لما كانت تركيا الآن عضوا في الناتو، وذلك أن من أهم المعارك التي ميزت الحرب الباردة.
فهي معركة توسع، فكان كل طرف يحاول التوسع في المناطق التي تعتبر استراتيجية بالنسبة للطرف الآخر، ولو لم يتم ضم تركيا ساعتها لحلف الناتو لكانت ضمن حلف وارسو، وكان هذا سيعتبر خسارة للنيتو.والقادة في تركيا يعلمون هذه الإزدواجية، ويدركون أن وجودهم في حلف الناتو لا يزيد عن كونه توسع للحلف وتوغله في المحيط الروسي، وهم الذين شاهدوا كيف يسعى القادة الأوروبيين إلى ضم أوكرانيا للإتحاد الأوروبي، حين حضرت علة التوسع على حساب روسيا، ورغبة في حصارها وتشديد الخناق عليها، رغم أن تركيا تعتبر أهم من أوكرانيا.
وهذا ما عبر عنه الرئيس التركي في مؤتمر صحفي مع رئيسة كوسوفو فيوزا عثماني، حين قال: “أظهروا لتركيا نفس الحساسية التي تظهرونها لأوكرانيا”، وهذه الحساسية الأوروبية وهذا السيل المتدفق من العواطف والحركة المنسابة من المشاعر والحب، الصادر عن الأوروبيين، والغرب عموما، إتجاه الأوكران، ليس خالصا لوجه الشعارات الرنانة والألفاظ الفخمة التي يرددها الأوروبيون حول الحرية والحقوق والتقدم ووو، وإنما مرده لسبب واحد هو حصار روسيا والتضييق عليها.
وهناك من يرجع الموقف التركي في الأزمة الروسية الأوكرانية إلى أنه لا يزيد عن كونه مناورة تركية تحركها الولايات المتحدة الأمريكية من وراء ستار، والذي أراه وأذهب إليه أن ما تقوم به تركيا في هذه الأزمة هو تمرد على النيتو والإتحاد الأوروبي، والأخذ بمعيار الكيل بمكيالين، وذلك لما تعلمه من الغرض الذي جعلها عضوا في الناتو.