لا شك أن الأردن ليس بعيداً عما يحدث حوله في المنطقة، إذ ألقت الأحداث الدائرة في سورية بتبعات متشعبة وإرتدادات عكسية موجهة للأردن على الصعيد الإجتماعي والأمني والإقتصادي على حد سواء، فمنذ بداية إندلاع التدخل الخارجي وتدفق الجهاديين الى سورية، والأردن يعاني من ويلات وتبعات حروب الوكالة عن أميركا وحلفاؤها التي يشنها المقاتلين هناك بأموال عربية لزعزعة أمن واستقرار سورية على حساب وحدة الأرض والتعايش السلمي وتدمير البنى التحتية الذي ينعكس على دول الجوار ومنها الأردن.
فقد ظهرت مؤشرات عدة تكشف عن تبني الأردن سياسة جديدة في التعامل مع الملف السوري، حيث طرحت مبادرة سياسية لحل الأزمة السورية، من أجل إيجاد وسيلة لتسوية سلمية للأزمة التي عصفت باستقرار البلاد، وهي مبادرة حسبما تحدث عنها وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي ذات طابع عربي مشترك ينخرط مع الحكومة السورية، بالتنسيق وموافقة الأمم المتحدة، وتقوم على مبدأ الخطوة مقابل خطوة. فالتساؤل الذي يتبادر في أذهاننا هنا هو: هل ستنجح الجولات والمباحثات الأردنية في إيجاد حل قريب ينهي الأزمة في سورية؟
وان الأفكار الأردنية للحل ليس جديدة، وانما تم طرحها من الجانب الأردني على القيادة السورية سابقاً، ولكن اليوم يبدو ان البيئة السياسية الإقليمية والدولية ساعدت الأردن في اعلانها عن طرح هذه الأفكار على شكل مبادرة، وبالمقابل تدعم المملكة العربية السعودية هذه المبادرة وتدفع بها قدما لتكون أساس للحل في سورية، خاصة بعد أن فعّلت مسار التواصل مع دمشق، ويرى مراقبون ذات الشأن إن الأردن بالتعاون مع أطراف عربية ودولية وفي مقدمتهم السعودية تسعي إلى دعم سورية لإنهاء الأزمة من أجل الحفاظ على الجيش السوري، كون بقاء الدولة السورية ومؤسساتها متماسكة، هو دعم للأمن القومي الأردني والعربي.
فالتحرك الأردني لحل الأزمة في سورية بما يملك من تجربة في المصالحة الوطنية بين أبناء الوطن وتأييد الحل السياسي، هام وضروري، وبارقة أمل كبيرة في الخروج من النفق المظلم والتوصل إلى حل سياسي يعطي الثقة للشعب السوري في الخلاص من الإرهاب والقضاء عليه، وخطوة مهمة باتجاه فتح الطريق للحوار بين مختلف المكونات السورية.وفي سياق متصل تصب المتغيرات السريعة في المنطقة في مصلحة سورية حيث بدأت أغلب الدول الغربية والعربية بتحفيز سياسية الحوار بدل سياسية السلاح في سورية وهذا ناتج عن قناعة تلك القيادات بأن خطوتها الدموية تجاه سورية قد فشلت وإن صناعتها للإرهاب قد كشفت.
لذلك ليس أمام كل الاطراف التي وقفت بمواجهة هذا البلد إلا الخضوع الى الإرادة السورية وبالتالي فإن بعض الدول التي كانت سابقاً شريكاً أساسياً بالحرب على الدولة السورية بدأت بالإستدارة والتحول بمواقفها وقامت بمراجعة شاملة لرؤيتها المستقبلية لهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية.ومن دون أدنى شك، هناك عوامل مهمة تساعد على إنجاح الحوارات السورية العربية ومن أهمها ضعف قبضة الولايات المتحدة الأمريكية على المنطقة، وفشل مشروعها في سورية، بالإضافة الى التدخل الإقليمي في الشأن السوري، فضلاً عن ادراك معظم الدول العربية خطورة تدهور الواقع الامني لدى شعوبها.
اليوم هناك تحركات متسارعة ومكثفة على أكثر من جبهة، وتصريحات عدة لمسئولين دوليين وإقليميين، تشير في جملتها إلى أن المنطقة على أبواب مرحلة جديدة، وأن مرحلة الصراعات والفوضى التي عمت المشرق العربي، في السنوات الماضية، قد إستنفذت غاياتها، وأننا نتجه نحن مرحلة التسويات، وهنا، فإن الملفات المتداخلة في المنطقة ستخضع لما قد يحدث في الفترة المقبلة وتتأثر بها، وجميع الإحتمالات واردة والجيش العربي السوري يواصل انتصاراته، والذي قام بقلب الموازين وأسقط الحسابات، وأظن ان واجب الدول الصديقة لسورية ومسئولياتها القومية يلزمانها دعم هذا التطور والبحث عن حلول لإيجاد الأرض المشتركة والمخارج المناسبة لإنهاء الأزمة في سورية بأسرع وقت ممكن.