حرب استنزاف في أوكرانيا وغياب مبادرات السلام

للكاتب فاطمة عواد الجبوري

بعد مرور أكثر من 50 عاماً على توقيع اتفاقية الانسحاب من فيتنام، لا زالت السياسات الأمريكية تراوح مكانها معتمدة على القوة العسكرية كركن أساسي في تحقيق الأهداف والحفاظ على الهيمنة. كان من المنتظر أن تكون الحرب الدموية التي خاضتها الولايات المتحدة في فيتنام أحد أهم الدروس للقوة العظمى لتغيير سياساتها الدولية والاعتماد على محددات قوة أخرى كالقوة الناعمة وقوة الدبلوماسية وقوة المساعدات الإنسانية، إلا أن الحرب الدامية وتكبد خسائر غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية لم تغير من عقيدة التفوق الأمريكي وضرورة استخدام القوة.

وما ساعد على تعزز هذه الفكرة في العقل الأمريكي هو انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي، هذا الانهيار الذي جعل العالم أمام قوة منتصرة لا منافس لها على مدار أكثر من ثلاثين عاماً حيث لم تستغل الولايات المتحدة هذه الفرصة أيضاً بل اتجهت إلى ما يسمى بحروب نشر الديمقراطية بالوسائل القسرية وفشلت الأولى بجميع هذه الحروب في أفغانستان والعراق وغيرها من المناطق التي تدخلت فيها. ويبدو بأن التجربة المريرة تكرر اليوم في أوكرانيا. ولا يمكن إلقاء اللوم على الولايات المتحدة في اشتعال فتيل الحرب في أوكرانيا لإن الطرفين المشاركين في الحرب لديهما خلفية تاريخية في الاستعداد لمثل هذه المواجهة منذ ما قبل الثورات الملونة كذلك.

 ولكن ما يُعاب على  الولايات المتحدة هذه الأيام هو تشجيعها على استمرار هذه الحرب وعدم طرح أي خارطة طريق للدخول في مفاوضات سلام تجمع الطرفين المتقاتلين. وإن قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية بما فيها اتفاقية فيينا جميعها تؤكد على أن الحلول السلمية هي الحلول الأفضل التي يجب اتباعها في تسوية الأزمات. حيث تواجه إدارة بايدن اليوم العديد من الانتقادات في الداخل الأمريكي لدعم الحرب في أوكرانيا ودعم استمراريتها. ولكن أعتقد بأن السبب الأول في هذه الانتقادات ليس دعم أوكرانيا ورئيسها زيلنيسكي بل هو عدم اقناع الرئيس الأوكراني بقبول بواقعية ما يحدث على الأرض.

إن الحرب الأوكرانية لم ينتج عنها إلا دماء هذا البلد وتشريد أهله. كما أن قصف البنى التحتية في أوكرانيا ساهم في زيادة نفقات إعادة الإعمار لمستويات غير مسبوقة قد لا تقوى جميع القوى الغربية على تحملها أبداً. كما تدفع الولايات المتحدة الرئيس الأوكراني لشن هجوم عسكري مضاد ضد القوات الروسية دون تجهيزه بالمعدات والقوات الجوية اللازمة لذلك. يكاد يجمع المحللون العسكريون بأن الجيش الأوكراني يحتاج إلى المزيد من التجهيزات والمعّدات العسكرية اللازمة لشن مثل هذا الهجوم الواسع النطاق.

كما أن الاتحاد الأوربي ودوله لا تزال مترددة في منح الجيش الأوكراني طائرات حربية من طراز اف 16 لشن مثل هذه الهجمات. وهذا ما دفع زيلنسكي إلى الإعلان بأن الهجوم المضاد يجب أن يتم حتى لو لم تتلقى القوات الأوكرانية الطائرات الموعودة. عود على بدء، لا تزال الولايات المتحدة تصرّ على اتباع النهج السابق ويبدو بأن العودة إلى التاريخ ليس أبداً من ضمن أولوياتها. انسحب من أفغانستان انسحاباً مفاجئاً وجعلت حلفائها السابقين أمام جيش من طالبان وها هي بعد فترة وجيزة تسعى لاسقاط طالبان. ومن جهة أخرى.

 فبدلاً من اقناع الحليف الأوكراني بضرورة الاكتفاء بانتصارات “خاركيف”، تصر على خوض هجوم عسكري مضاد وواسع النطاق في الوقت الذي لا يمتلك الجيش الأوكراني مقوماته.وفي نهايةً، وإذا ما أردنا الحديث عن الطريقة المثلى لإنهاء مثل هذه الحرب الدامية، علينا أن نذكر الولايات المتحدة وبقية الأطراف بالحل الأمثل الذي اتبعته في فيتنام وهو اتفاقية سلام تحت ضمانات دولية. فهل هي مستعدة لذلك فعلا؟

مقالات ذات صلة