سورية في المرحلة المقبلة ستكون اهم معيار لقياس مستقبل المنطقة

للكاتب كمال خلف

ربما تمثل  القمة العربية التي عقدت في مدينة جدة السعودية وحضور الرئيس السوري “بشار الأسد” بعد انقطاع دام 12 عاما، انتهاء حقبة كاملة والجميع يلملم بقاياها استعدادا لمرحلة جديدة يتبدل فيها التموضع واتجاهات السياسيات. ليست سورية وتطوراتها اليوم سوى مؤشر على خارطة إقليمية ودولية تتشكل.و هذا ليس عابرا او مجرد تغييرات مهمة تطرأ على مستوى السياسات والتحالفات واشكال التكتلات الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية في الإقليم و العالم. وبالنسبة لمنطقتنا هذا التحول هو الأهم منذ التغيير الهائل الذي حدث قبل اكثر من مئة عام.

 فعندما سقطت الخلافة العثمانية واندفعنا بشراكة مع الاوربيين لتكوين البديل الذي ظننا انه الانطلاقة الحضارية الجديدة وانه البعث في عالم جديد يولد على يد المنتصرين في الحرب العالمية.وكانت النتيجة قرن كامل من المأساة والضعف والتشتت والانقسام السياسي والتقسيم الجغرافي لدولنا وشعوبنا وضياع فلسطين لصالح كيان عنصري عدواني زرعه الغرب المنتصر في قلب الجغرافيا العربية وكلفنا ملايين من الشهداء والجرحى والأسرى والمشردين فلسطينيين وعرب، ومازال الى هذه اللحظة يمارس مهنة القتل والتدمير بحماية كاملة من الغرب المتوحش عديم الاخلاق.

وصحيح ان مشهد القمة العربية يكاد يغلق حقبة عقد ونيف من الفوضى والمشاريع الخارجية بأدوات عربية. لكن حجم التغير ابعد واعمق من حدود السنوات الدامية العربية فيما عرف ” بالربيع العربي “. ونهاية هذه الحقبة ليس سوى الجزء الصغير من عاصفة التحولات الكبرى على صعيد المنطقة والعالم.وان مشهد تفلت بعض الأنظمة الرسمية العربية من القبضة الامريكية ومحاولتها تنويع اتجاهاتها السياسية الدولية وخلق هامش لسياساتها البينية في بيئتها الإقليمية وان كان ذلك يبدو محدودا، لكنه ليس سوى الخطوات الأولى لتلمس العالم الجديد.

وبالنسبة لسورية في الوقت الراهن وعلى الرغم من وضوح نهاية المشروع الذي رسم لها وهو باختصار ” اسقاط النظام، وخلق نظام بديل تابع للولايات المتحدة “. الا اننا لا يجب الافراط بالتفاؤل، الصراع في سورية وعلى سورية مازال مستمرا. فسورية في المرحلة المقبلة ستكون اهم معيار لقياس مستقبل المنطقة. وان كان الخط البياني لتراجع تأثير الولايات المتحدة في منطقتنا مستمرا وثابتا، وان كان العالم الجديد يسير في طريق الولادة بدون مخاطر الإجهاض او النكوص.وان الوضع في سورية ونهوضها من جديد كبلد يمثل درة التاج العربي، قد ينتظر حسم الصراع على المسرح الدولي.

فما حدث هو نتائج الحرب في أوكرانيا. وهزيمة الولايات المتحدة هناك ستضاف الى سجل النكسات المتلاحقة من أفغانستان الى فنزويلا. والثاني فشل الاستراتيجية الامريكية الكبرى في تطويق واحتواء صعود الصين على المستويين العسكري والاقتصادي. وهذا الفشل المرتقب امام الصين لن تكون تأثيراته على امتداد جغرافية العالم فحسب، انما اول الانعكاسات ستكون في داخل الولايات المتحدة نفسها.وبالمقابل فان نجاح سورية في كسر الإرادة الامريكية سوف يرفع منسوب الثقة لدى الأقطاب الدولية المناهضة للانفراد الأمريكي في العالم، وسوف تؤثر في خيارات الدول التي تبحث عن موقعها الجديد في عالم يتشكل.

لكن ثمة معايير عربية داخلية يمكن القياس عليها. ومنها الاليات العملية التي التزمت بها الدول العربية تجاه سورية في ختام القمة، ومنها إعادة اللاجئين السوريين وتوفير السبل والبنية التحتية اللازمة لعودتهم الى مدنهم وقراهم المدمرة ومساهمة الدول العربية في إعادة الاعمار و التبادل التجاري العربي والاستثمارات العربية داخل سورية.ومن الطبيعي ان هذه الالتزامات سوف تصطدم بالعقوبات الامريكية، سواء قانون” قيصر” الساري المفعول او القانون الجديد امام الكونغرس الذي يهدد بفرض عقوبات على الدول التي تطبع علاقتها مع سورية. ان التزام او عدم التزام الدول العربية بهذا المنع الصارم سيكون مقياس عملي لمدى تراجع او ثبات التأثير والقبضة الامريكية على المنطقة العربية.

مقالات ذات صلة