أفريقيا والحلم بنهضة القارة الاقتصادي موضوع تحرر سياسي

للكاتب محمد الطيب قويدري

تشهد القارة الإفريقية بوادر أيجابية متنوعة قد تصب في النهاية  فيما يمكن وصفه بأنه الديناميكية التي تسبق قيام مقدمات نهضة عامة قارية. فهناك أولا نقاشات واسعة من نوع جديد دشنها قادة أفارقة، بعد أن عادوا تدريجيا إلى تبني خطاب سياسي تحرري، من خلال  فتحهم ملفات التنمية القارية وإعادة النظر في ما كان خافيا من قضايا ترسبت عن الاستعمار: التي منها ملفات الاقتصاد والمالية والإرهاب والعلاقات مع الجيوش الغربية، ثم العلاقات جنوب-جنوب، والعلاقات شرق – جنوب، وكل هذا عبر مرآة/ تمثلت ببوابة الغرب الاستعماري، وسعيه الذي لا يكل لتحسين أداء الرأسمالية باعتبارها نظاما للهيمنة على مصائر بلدان العالم.

فقد رافقت تحولات الخطاب السياسي الجديد لقادة أفريقيا تحولات مماثلة في الخطاب الاعلامي والثقافي، ولم تكن الاغتيالات التي ذهب ضحيتها قادة وزعماء التيار التحريري، ممن بدأوا في التعبير عن إرادة الاستقلال المالي والاقتصادي عن المستعمر السابق لتحول دون هذه العودة المتبصرة إلى المناداة بنفض الغبار عن الحقائق والوقائع التي كانت مخبأة بعناية، مثل حقيقة الفرنك الافريقي وما أفرزته سياسة فرنسا من كوارث في قارة جرى التخطيط لها بعناية لكي تبقى تسير إلى الوراء،  حفاظا على المورد الثمين للخزينة الأمنة فيما وراء البحر، من أجل صيانة التقدم والرفاه الاقتصادي لأوروبا  والغرب بشكل عام.

فالرفاه الذي  استفادت منه مجتمعاتها، كان موجها لجيوب كبار أثرياء العالم في الأساس. ولسعادة رأس المال ممثلا بالشركات متعددة الجنسية. لقد تصدى الإعلاميون الأفارقة للدعاية الغربية التي سعت باستمرار إلى تعبئتهم لمقاومة النزعة الاستقلالية لدى القادة، من خلال توجيه الرأي العام الافريقي نحو مواضيع مزيفة، مثل الحضور الاقتصادي الصيني في القارة، ووجود خطورة منه على العلاقات مع الغرب التي أخذت كل الوقت الكافي لتعرية النوايا غير الصالحة لهذا الأخير تجاه الشعوب والدول والبلدان.

فمنذ أيام قامت مجموعة من رؤساء دول في القارة الإفريقية بزيارة لكل من أوكرانيا وروسيا، في مهمة وساطة من أجل السلام، بعد زيارتهم لأوكرانيا أولا ربما ساد الانطباع بأن أوراق الحل يحتفظ بها الرئيس الروسي، الذي يمكن أن يبادر إلى أعادة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل العملية العسكرية الروسية الخاصة، لكن المظاهر لا تعكس دائما حقائق الوضع على أرض الواقع.لقد خرج الرؤساء الأفارقة  من جلستهم مع الرئيس بوتين بقناعة مختلفة لم يكونوا على جهل تام بها، لكن بعض الأمل يبقى في نفوسهم بأن النيات الحسنة هي التي تحرك الطرف الأوكراني.

 غير أن وثائق المفاوضات التي تمت بمساع تركية، وانسحاب القوات الروسية من محيط العاصمة كييف كانت قمينة بأن تكشف أن أوراق الحل تكمن في العواصم الغربية التي كانت منذ أيام اتفاق مينسك مجرد قراءة لاستعدادات الطرف الروسي وجس نبض لنواياه. فالغرب هو صاحب اللعبة وهو صاحب القرار الحقيقي، وفي مثل هذه الظروف ينبغي التوسط بين الأطراف الحقيقية للصراع لا بذل الوقت والجهد في محاولة تعديل نوعية الصورة على الشاشة الظاهرة.

وأن إفريقيا الساسية، وأفريقيا الثقافية تعمل جاهدة على أحداث ثورة في اقتصادها، باعتبارها قارة بكرا، وكل يوم يمر يتأكد قادة الرأي فيها بأن تغييرا حقيقيا في الاقتصاد لا بد أن يمر بثورة على التبعية ومسار للتخلص من أدواتها السياسية ممثلة بالدول اليفية، والنخب السياسية والعسكرية الموروثة من حقبة الاستعمار، التي لا تخدم الشعوب، ولا تؤمن بالتنمية، ولا تستهدف التقدم. والغرب لن يكون شريكا مؤتمنا لأختلاف المطلقات بيننا وبينه، واختلاف الاستراتيجيات في الأساس.

مقالات ذات صلة