بين الكيان و امريكا ، مُشتركات ، تجعلهما ، ليس في تشابه ، و إنما في تطابق ، الواحد مُكّملْ للآخر ، لا سيما في الاستراتيجيات ، ولنبدأ بالاستراتيجيات : قامت امريكا على احتلال أرضٍ وتشريد شعبٍ ، و وُجدت كي تسود وتهيمّن على العالم ، و مقومات سيادتها و هيمنتها ثلاث ؛ آلة الحرب و الصناعة العسكرية ، والدولار ، والمقوم الثالث هو الدبلوماسية ، وتلجأ اليه عند الحاجة .وان استراتيجية الهيمنة هي من الثوابت في السياسية الخارجية الامريكية وليس من ألمُتغيّرات ، اي ثابت مفروض و مقدّس ، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، لدي جميع الادارات الامريكية ، و بغض النظر عن التوجّه الديمقراطي او الجمهوري للأدارات الامريكية .
وكذلك اسرائيل ،قامت على ارض فلسطين المُحتلة ، وتَلملَمَ مجتمعها بعد تشريد ، و تهجير وقتل الشعب الفلسطيني . و رمزْ عَلَمُ اسرائيل و معنى نشيدها الوطني يدُلان على اسرائيل الكبرى ،مِنْ الفُرات الى النيل ، وعلى ذلك تُثّقف اسرائيل لمستقبلها ، مثلما تُثّقف العالم على ماضي اليهود والهولوكوست ، الذي لا يخلو من المُبالغات و الجدلْ . فتّدرجتْ اسرائيل في سعيها للهيمنة على منطقة الشرق الاوسط و برعاية وعناية امريكا ،في مراحل : مرحلة امن اسرائيل ،و مرحلة توسّع اسرائيل، ثُّمَ مرحلة هيمنة اسرائيل ، والمفروض أنْ تبدأ في تسعينيات القرن الماضي على إثر سقوط الاتحاد السوفيتي ،و اتفاقيات أوسلو مع السلطة الفلسطينية ، وحصار و أحتلال و تدمير العراق و ما حّلَ على العرب في ربيع بعضهم .
وبطبيعة الحال المراحل الثلاث لنمو اسرائيل متداخلة وتسيير بوتيرة واحدة وكأنها هدف واحد ” أمنْ ، توّسع ،هيمنة ” .فقد استطاعت امريكا ان تهّمين على العالم لقرابة ثلاثة عقود ( ١٩٩٠- ٢٠٢٠ ) ،حيث سادت سياسة القطب الواحد ، فعبثت بأمن العالم ، و شّنتْ الحروب في وسط آسيا ( افغانستان ) و في غرب اسيا ( العراق ) ، وفرضت العقوبات والحصار وسرقة علناً ثروات الشعوب ( نفط سوريا ) وصنعت الارهاب ، ومكّنت اسرائيل في التوسع وقضم الاراضي الفلسطينية ، وسعت لتصفية القضية الفلسطينية ، و كان هدفها فرض هيمنة إسرائيل على المنطقة .
فلم تؤمن امريكا بثقافة القيم وثأر القدر وقوة الحق ، ولم تَحسبْ بأنّّ حصار و تجويع الشعوب و دماء الابرياء له ثمن ، و أنَّ جراح الضحايا فمُ ( كما يقول شاعر العراق الكبير ، المرحوم محمد مهدي الجواهري ) .وخلال ثلاثة عقود من الهيمنة الامريكية وسياسة القطب الواحد ، أستطاعت القوى الآسيوية ( الصين ،روسيا ، ايران ) أن تبني وتتطور وتنهض ، حتى ان الرئيس الامريكي الاسبق ، جيمي كارتر بعث برسالة الى الرئيس ترامب ،في صيف عام ٢٠١٩ ، يشكيه فيه ما آل اليه وضع امريكا ، ويقارن بين ما انجزته الصين و ما خسرته امريكا لانشغالها في الحروب و الفتن .
وأصبحت الآن الهيمنة الامريكية خلفنا ،فهي ليس في تراجع ، وانما في أُفول ، وعلى كافة الصعُد ،سواء في آلة الحرب ،صناعةً و قدرةً، أو في النمو والتطور الاقتصادي ،لم يبقْ لدى امريكا غير سلاح الدولار وسلاح القوى الناعمة ( القوى الخبيثة ) ،التحريض على الفتن ، فرض حصار ، عقوبات ،او اللجوء الى حرب القيّم بنشرها و تبنيها لثقافة الشذوذ الجنسي .فهناك حدثان أساسيّان ساهما في أفول الهيمنة الاميركية ؛ الحرب على العراق و احتلاله والحرب في افغانستان و إذعانها لشروط حركة طالبان ، في الاتفاق بينهما في شباط عام ٢٠٢٠ .و انتصرت امريكا عسكرياً في الحرب على العراق ،لكنها خسرت سياسياً وفقدت نفوذها في المنطقة لصالح إيران .
وخسرت امريكا في حربها مع طالبان عسكرياً و سياسياً ، حيث الفشل في تحقيق الاهداف التي سعت من اجلها ( وهي القضاء على حركة طالبان ونشر الديمقراطية ) ، والهزيمة و الانسحاب وفقاً لشروط الحركة .وأكملَ المحور الاسيوي ( الصين ،روسيا ،إيران ) ما فعلتهُ حرب العراق وحرب افغانستان في أمريكا ،حيث تولّت الصين مشاغلة امريكا اقتصادياً ، و تولّت ايران مشاغلة امريكا نوويّاً وتنافس الادوار ، وكذلك عسكرياً، و تولّت روسيا مشاغلة امريكا سياسياً و دبلوماسياً و خاصة في الملف السوري .وتلى أُفول الهيمنة الامريكية او صاحبها فشل مشروع هيمنة اسرائيل على المنطقة . سقط المشروع ،بقوة سواعد حزب الله و المقاومة في لبنان . وبدأت حفريات حزب الله في جسد الكيان ،منذ تموز عام ٢٠٠٦ .