إلى متى تستمر الحرب في أوكرانيا؟ ولماذا لا تريد واشنطن حلاً دبلوماسياً لها؟

للكاتب رجب السقيري

عند انطلاق شرارة الحرب الروسية الأوكرانية في شهر شباط من العام الماضي لم يكن أحد يتوقع استمرارها لأكثر من عدة أسابيع وذلك لجملة أسباب لعل أهمها الخلل الكبير في ميزان القوى العسكرية بين البلدين خاصة وأن روسيا هي صاحبة أكبر ترسانة نووية في العالم  (5889 رأس نووي) وهي بذلك تفوق في حجمها الترسانة النووية الأمريكية البالغة 5428 رأساً نووياً ، إضافة إلى تقدم روسيا في تكنولوجيا صناعة الأسلحة التقليدية والجيش الكبير البالغ تعداده أكثر من مليون ونصف جندي إضافة إلى مليوني جندي من قوات الاحتياط

فلم يكن أحدٌ يتوقع أن الولايات المتحدة ستلقي بثقلها إلى هذه الدرجة في إمداد أوكرانيا بالسلاح والعتاد ودعمها مادياً بشكل غير مسبوق (أكثر من مائة مليار دولار حتى الآن ، أضافة إلى مساعدات أوروبية إنسانية وعسكرية لا تقل عن 75 مليار دولار) مما ساعد أوكرانيا على الصمود كل هذه المدة ، بل إن الأمر لم يقتصر على ذلك إذ أصبح من الواضح أن واشنطن لا ترغب بإيجاد حل دبلوماسي للنزاع حتى بعد أن فشل مؤخراً الهجوم الأوكراني المضاد ، ويبدو أن الولايات المتحدة مصممة على إلحاق هزيمة نكراء بالدب الروسي ، لذلك فقد عملت جاهدةً حتى الآن لإفشال كل محاولات التوسط لإيجاد حل دبلوماسي لإنهاء الحرب بما في ذلك الوساطات الصينية والتركية والأفريقية.

إذن فالحرب الروسية الأوكرانية مستمرة إلى أجلٍ غير مسمى ، ولكن ما هو سبب استبعاد واشنطن حتى الآن للحلول الدبلوماسية للحرب في أوكرانيا وإصرارها على هزيمة روسيا ؟ فالحرب الأوكرانية حرب بالوكالة بين أمريكا وروسيا،فأمريكا تحارب روسيا بالوكالة والصين هي الهدف وأوروبا وقعت بين الأرجل ضحية لوقف الغاز الروسي”  أوضحت وجهة نظري بأن الحرب في أوكرانيا ليست سوى “حرب بالوكالة”  بين روسيا والولايات المتحدة وذكرت “أن الجيش الأوكراني يحارب بالأسلحة الحديثة والمتطورة التي تزوده بها الولايات المتحدة ودول الناتو الأوروبية والحلفاء الآخرون الذين أخذوا على عاتقهم هزيمة القوات الروسية” .

فوجهات نظر الكتاب والمحللين السياسيين متعددة ومتباينة حول إمكانية نشوب حرب عالمية ثالثة ، إذ أن بعضهم يرى أن تلك الحرب واقعة لا محالة وذلك على أثر ما تشهده زعامة أمريكا للنظام العالمي الأحادي القطبية من تآكل وما ينتظر اقتصادها ودولارها من تراجع ، إضافة إلى مؤشرات كثيرة لعل أهمها صعود الصين اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً حتى باتت تنافس الولايات المتحدة في كل المجالات تقريباً وتحتل مرتبةً متقدمة في النظام الدولي ، إضافة إلى تحالف الصين مع روسيا وهما القوتان الأعظم بعد الولايات المتحدة وقيامهما بتوسيع عضوية بريكس ومنظمة شنغهاي ، وقدرتهما الملحوظة والمؤكدة على استقطاب المزيد من الحلفاء الذين ضاقوا ذرعاً بالهيمنة الأمريكية وأخذوا يبحثون عن مخرج فوجدوا في الصين ضالتهم المنشودة .

ويبدو جلياً بأن الولايات المتحدة حريصة على استمرار الحرب الأوكرانية بغية تكبيد روسيا هزيمة مذلة يمكن أن تحقق لواشنطن عدة أهداف استراتيجية أهمها الحفاظ على النظام الدولي الحالي أحادي القطبية الذي تتزعمه واشنطن وإبعاد شبح العودة إلى نظام ثنائي القطبية أو حتى نظام متعدد الأقطاب يشمل إضافة إلى الولايات المتحدة كلاً من الصين وروسيا ودول أخرى مثل الهند والبرازيل وغيرهما ، إضافة إلى فك التحالف الروسي الصيني ومحاولة احتواء الصين ومنعها من التمدد لا سيما في بحر الصين الجنوبي والمحيطين الهادي والهندي ، بل ومنعها من توسيع نفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا ، إضافة طبعاً إلى أهداف استراتيجية أخرى متعددة .

فإذا كانت هزيمة روسيا في الحرب الأوكرانية ممكنة وتحقق لواشنطن أهدافها الاستراتيجية التي قد تطيل تربعها وحيدةً على زعامة النظام الدولي وما يتبع ذلك من الحد من طموحات الدول الأخرى التي بدأت تتقاطر نحو بريكس وعقد تحالفات مع الصين وروسيا فلماذا تفكر واشنطن في حرب عالمية للمحافظة على امتيازاتها وهيمنتها على العالم إذا كانت حرب أوكرانيا تفي بالغرض وتحقق الهدف ؟ ولكن يبقى السؤال الأهم والذي قد لا تتمكن أمريكا من الإجابة عليه في هذا الوقت وفي ظل الظروف المحيطة وهو : هل يمكن لواشنطن وحلفاؤها هزيمة روسيا من خلال الحرب بالوكالة الجارية حالياً في أوكرانيا ، أم أنها ستجد لاحقاً في ظل استحالة الحرب العالمية النووية وفي ظل العجز عن إلحاق الهزيمة بروسيا أن الحل الدبلوماسي للأزمة الأوكرانية هو الأقل ضرراً وهو أهون الشرين ؟

مقالات ذات صلة