رمت الجزائر بكل ثقلها في ملف انضمامها لمنظمة البريكس حيث برزت أساسا تصريحات على أعلى مستوى من رئيس الجمهورية إضافة إلى عديد زياراته والتي شملت اقطاب منظمة البريكس روسيا والصين بالتوازي مع عمل جزائري دبلوماسي سياسي، ثقافي واقتصادي مكثف ركز على الدول الخمسة المؤسسين لمنظمة البريكس إضافة إلى الاعتماد على تغطية إعلامية لتسويق إنضمام الجزائر لهذه الأخيرة ،غير أن طلب الجزائر قُبل بالرفض في مؤتمر البريكس الخامس عشر المنعقد في جنوب افريقيا،وان ذلك ادى الى تكهنات وافتراضات خصوصا على الصعيد الرسمي والشعبي والتي تراوحت بين الانتقاد وفقدان الثقة .
وبالرجوع لمختلف التكهنات والافتراضات يبرز النقد الموجه للجزائر على صعيدها الداخلي كسبب في عدم قبول عضويتها في البريكس خصوصا في المجال الهيكلي المؤسسي على شاكلة ضعف منظومتنا البنكية، عدم استقرار قوانيننا وضعف بيئتنا في جلب الاستثمارات ففي اعتقادي أن الدول التي انضمت للبريكس لديها نفس المشاكل بل أكثر فمن يمكنه أو يرغب في الاستثمار في اثيوبيا مع الظروف الأمنية الغير مستقرة من خلال صراع الحكومة المركزية مع جماعة واقليم تغراي أيضا فيما يخص ضعف النظام البنكي ففي إيران وروسيا يشهد هذا الأخير عقوبات اقتصادية تشمل اقصاءه من نظام سويفت الدولي للمبادلات التجارية والذي يؤثر بشكل كبير في اقتصادهم.
وفيما يخص الصعيد الداخلي الهيكلي والمؤسساتي فالفروقات بين الدول المؤسسة للبريكس والمُنظمة حديثا يصب في خانة التباعد وليس التكتل بينهما.فثمة عنصر آخر ضمن التكهنات والافتراضات هو ضعف الاقتصاد الجزائر والتي كان عائقا أمام انضمامها للبريكس، بالرجوع للدول المبرمج انضمامها فإن الفروقات بينها كبيرة فلا يمكن مقارنة الاقتصاد الاماراتي بالمصري أو السعودي والإيراني أو الإثيوبي والصيني وحتى اعتماد الجزائر اقتصاد ريعي مبني أساسا على البترول والغاز يقابله الاقتصاد الروسي المبني أيضا أساس على البترول والغاز فبالنسبة للبعد الاقتصادي من ناحية القوة والضعف وكونه سبب في عدم انضمام الجزائر لمجموعة البريكس .
وهنا يأتي البعد الاقتصادي الذي المتعلق بسرعة النمو فكل الدول الست التي قُبلت عضويتها في البريكس لها أكثر من 4% معدل نمو على الأقل في السنوات الماضية. وياتي كذلك البعد الجيوسياسي الذي يعد أحد أهم الاهداف المعلنة لمجموعة البريكس هو السعي لتغيير النظام الدولي من خلال القضاء على هيمنة الغرب المتمثل في النظام العالمي الحالي وسيطرة الدولار على التعاملات التجارية العالمية . فالمساومات بين الأعضاء المؤسسين للبريكس قدمت مطلب حول عوامل الصراع وعوامل التعاون بين دول البريكس فالاعتقاد أن دول البريكس مجتمعة ومتجانسة في التعامل والتنسيق بينها هو اعتقاد خاطئ فالواقع عكس ذلك.
لكن الأولوية هي اضعاف الغرب كمرحلة أولى لتحقيق ذلك من ثم نلاحظ أن أغلب الدول التي تم قبول عضوية باستثناء الأرجنتين تقع في منطقة واحدة بين أسيا وإفريقيا وهنا أستذكر نظرية الجيوبوليتك والاستراتجية لـ”ماكندر” “السيطرة على قلب الأرض” بمعنى السيطرة على الدول الواقعة في وسط المعمورة أي قلب الأرض يسمح بالسيطرة على الطرق التجارية الرئيسية زيادة على ما تمثله هذه المنطقة من موارد طبيعية ومكانة جيوسياسية تدخل في طموحات الصين أساسا في مشروع طريق الحرير.
وبالنسبة للجزائر أكيد هناك خيارات لم تكن موفقة لأنه من السهل الآن الحكم على سياسات أنها خطأ بعد معرفة نتائجها ،غير أن عدم قبولنا فالبريكس ليس نهاية العالم ولا زوال دولة الجزائر بل هي عدم توفيق في التعامل كون شروط انضمام الدول الست للبريكس لم تكن حسب الأداء الاقتصادي أو السياسي بقدر ما كانت حسب مصالح وإستراتجية الدول الخمس المؤسسة للبريكس إلا أن هذا لا يعني أن لا نغير من سياساتنا أو حالنا بل وجب التعلم من عدم التوفيق في اختياراتنا ففي المقال القادم سأتطرق الى أسباب تعثر الأداء الجزائري في ملف انضمامنا للبريكس.