زار الرئيس السوري بشار الأسد جمهورية الصين الشعبية في وقت يرسم العالم ملامح نظام دولي جديد لتأتي هذه الزيارة تلبية لدعوة من الرئيس الصيني .ومنذ بدء الحرب الكونية على سورية وموقف الصين من هذا العدوان الذي شكل تحول كبير في السياسة الخارجية الصينية التي اعتمدت الدبلوماسية الهادئة نهجا لسياساتها لعقود مضت.وهذا التغير في السياسات الخارجية الصينية وتقدمها للعب دور يليق بدولة عمر حضارتها يعود لآلاف السنين لتدخل الصين مضمار السباق الدولي المحموم من اوسع أبوابه .
بما ان الاقتصاد السياسي يعد هو المنهج الرئيس الذي يحكم سياسات الدول مع بعضها البعض وبالرغم من التطور الذي طرأ على علم العلاقات الدولية وتطوره الا ان القوى الاقتصادية مازالت تلعب الدور الأبرز التي تسهم في رسم هذه العلاقات ومازالت ركيزة أساسية للمنافسة بين الدول الكبرى والعظمى .ففي العقدين الأخيرين استطاعت الصين ان تفرض نفسها على الساحة الدولية كمنافس اقتصادي كبير للولايات المتحدة الأمريكية في عدة مجالات ولعل ابرزها العامل التكنولوجي والذي يعتبر سمة عصرنا الحديث ولأن القوة الاقتصادية وما يواجه صعودها من منافسة كبيرة في السوق العالمي .
فقد ارتأت الصين ضرورة دخول هذا العالم من بوابة الدخول على خط المواجهة مع الدول الكبرى الامريكية والغربية للحد من سياسات هذه الدول التوسعية المبنية على الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار الدولي .فكانت الأزمة السورية بوابة الدخول الصيني على خط هذه المواجهة التي استخدمت الصين فيها حق النقض الفيتو لعدة مرات لإعاقة قرار امريكا والغرب تمرير مشاريعهم الاستعمارية في سورية الاي تربطها بها علاقات صادقة متبادلة تعود لأكثر من ألفي عام هذا التاريخ بعمقه وعراقته بين البلدين وموقع الدولة السورية جغرافيا وموقعه كملتقى للاقتصاد بين الشرق والغرب منذ عهد طريق الحرير .
ومع اعلان الصين عن مشروع الحزام والطريق عاد للواجهة أهمية الجغرافية السورية التي تشكل ربط الغرب بالشرق لهذا المشروع الاقتصادي العالمي الذي يشكل الخطر الأكبر للهيمنة الليبرالية والاقتصاد الحر الأمريكي الغربي من هنا نستطيع ان نفهم أهمية زيارة الرئيس الاسد لبكين وحفاوة الاستقبال .وعلى الرغم من التصريحات الآتية من الصين التي سبقت زيارة الأسد والتي تتمحور حول حقبة جديدة من العلاقات بين البلدين والتي قد تتطور لمستوى العلاقات الاستراتيجية نتيجة لتموضع الطرفين من الناحية الدولية والاقليمية في قلب الصراع الدولي الحاصل حاليا في عدة جبهات.
وهنا لابد ان تتم قراءة خلفيات هذه الزيارة من وجهة نظر اخرى تبدأ من المستجدات الآتية من قمة العشرين والتي كان عنوانها العريض مواجهة المشروع الصيني الحزام والطريق وذلك من خلال :مقاطعة الرئيس الصيني والروسي لقمة العشرين وهذه المقاطعة كانت مبنية على معلومات حول جدول أعمالها المتمثل بمحاربة المصالح الصينية .وان اعلان الرئيس الأمريكي من الهند عن مشروع خط يمتد من الهند مرورا ببعض دول الخليج كالسعودية والامارات والكيان الاسرائيلي والأردن وصولا لأوروبا وفي هذا المشروع على الرغم من عدم فعاليته حسب رأي الخبراء وبأنه لا يرقى لمستوى مواجهة المشروع الصيني الحزام والطريق بل هو مشروع امريكي لعسكرة هذه المنطقة وخلق حالة من التوتر بين الهند والصين وضرب مصالح الصين في منطقة الشرق الأوسط من بوابة الخليج .
وان ما يتردد عن رغبة الصين بإنشاء قواعد عسكرية في سورية لمواجهة النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وتثبيت وجودها كقوة عسكرية في هذه المنطقة وفي هذا رد على التصريحات الأمريكية بعدم تواجد نفوذ صيني في هذه المنطقة .وامام هذه المعطيات التي تشكل حجر الاساس في الحراك الدولي القائم والصراع المحموم على توسع النفوذ وما نراه من اصطفافات وتحالفات دولية ترسم شكل النظام الدولي المستقبلي فاليوم الأسد في بكين وقد نراه غد في بيونغ يانغ .وأن هذه الزيارة تعنون لمرحلة مهمة لناحية التقدم في العلاقات على المستوى الاستراتيجي وسيكون لها انعكاسات ايجابية على الاقتصاد السوري .