عندما يتمادون بخدعة حل الدولتين ويُسقطون العدالة عن الشعب الفلسطيني

للكاتب فؤاد البطانية

لا مجال لتَصنُّع الجهل أو مزاولة الإستحمار أو الإستمرار بالتآمر. حل الدولتين أو “الحل الخدعة” هو منتج بريطاني صهيوني تآمري جاء لأول مرة في اربعينيات القرن الماضي من خلال خدعة تقسيم فلسطين لحشد التأييد لإنجاح زراعة الكيان الصهيوني الخزري فيها. وقد نجحوا آنذاك في تقنين زراعته بقرار من الأمم المتحدة، بعد أن كانوا قد تأمروا على منع اقامة الدولة الفلسطينية. ثم اعتمدوا هذا الحل الخدعة كحقنة تخدير لتمرير متطلبات تصفية القضية الفلسطينية، وما زالوا منذ ذلك الحين يستخدمونه لهذه الغاية، وينبشونه كلما دعت الحاجة ليعملوا تحت ستاره، وقطعوا في هذا مع المتآمرين العرب مراحل مهمة ولكنهم اصطدموا بصخرة المقاومة.

وللأبرياء الواهمين بحل الدولتين وبحسن نية الذين يطرحونه أو يتحدثون به، وليس لأولئك المتآمرين والعملاء من حكام العرب والمسلمين الذين يعلمون الحقيقة ويتخذون من طرحهم لحل الدولتين هذا والحديث به في كل مناسبة مهرباً من مسؤولياتهم وذريعة لما يقدمونه للكيان وحلفه من لحم شعوبهم ومن لحم القضية الفلسطينية، فإن المنتصرين بالحرب الأولى عندما شكلوا عصبة الأمم وصاغوا صك الإنتداب وتبنوا فيه خطة تنفيذ وعد بلفور لم يكن فيها وجود لدولة فلسطينية أو عربية في فلسطين، بل دولة يهودية فقط وممتدة لشرق الأردن. وكانت لهم بمثابة مستعمرة غربية في قلب الوطن العربي، وملماً ليهود الخزر كوطن بديل عن أراضي دولتهم التي فقدوها، وللتخلص من ضغوطاتهم ومشاكلهم في اوروبا وروسيا.

فقيام دولة فلسطينية أو أي كيان سياسي عربي لجانب اليهودي في فلسطين لم يكن في لحظة ما على الأجندة الصهيونية. ولا بريطانيا عدّلت وعد بلفور لتكون في فلسطين دولتان سايكوسبيكيتان كي نتحدث بحل دولتين.وفي هذا الاطار يلاحظ كيف جرى ضم الضفة الغربية للأردن بالتوازي مع قيام الكيان الصهيوني في فلسطين كوديعة، لمنع تشكل هوية سياسية فلسطينية او قيام دولة فلسطينية استنادا للعبة تقسيم فلسطين. وكان هذا كله بموجب تآمر مسبق ويسمونه ً استنادا لوثائق الأرشيف البريطاني بعد إزاحة الستار عنها، تفاهما مسبقاً.

ولهذا أيضاً أعيدت الضفة الوديعة لكيان الإحتلال فعلياُ، ولمنظمة التحرير إسميا ً. لأنها كانت محتلة، أعيدت بموجب قرار اداري بفك الإرتباط مع الضفة، وليفقد الأردن بعدها حقه في المطالبة باستردادها استناداً للقرار242. وفك الارتباط هذا لم يكن يحتاج لدسترتة بل لا يستقيم ذلك لأن الضم لم يدستر. وللعلم لو لم يفك الأردن ارتباطه مع الضفة لما كانت هناك اتفاقية سلام أو وادي عربه، لأن اسرائيل ليست مستعدة لإعادة الضفة استنادا لمبدأ الأرض مقابل السلام.وفي هذا أيضاً نستذكر مهزلة وغرابة فشل الرباعية الدولية التي تمثل العالم بفرض هذا الحل، حيث عندما نشأت الحاجة الصهيونية لاستخدام حل الدولتين قامت الرباعية ( أمريكا، روسيا، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي ) بمسرحية العمل لسنين لتحقيق حل الدولتين ووضعت خارطة طريق لذلك الأمر من ثلاث مراحل.

وباختصار، فإن ما يسمى بحل الدولتين هو في الواقع وهمي المسمى، معدوم الأسس الجغرافية والسياسية، واستخدامي الغرض تأمري لا مكان له في القضية الفلسطينية. والحاكم العربي الذي يتكلم به هو بالضرورة خائن يضطلع بدور، أو متواطئ يتخذه مهرباً ما لم يكن جاهلاً أو عبثياً بقوله وحينها من الخطورة أن يستمر بمنحاه الشمولي. ونعتبر بأن كل من يعتقد صدقاً لا تآمراً بوجود حلول سلمية لمسألة احتلال غير ازالته طوعاً أو كرهاً، هو بلا أفق، بل بلا أفق كل من يعتقد بأن هناك أدنى قناعة لدى الصهاينة المحتلين ولدى الشعب الفلسطيني على السواء بأن أية تسوية سلمية مها كانت ستكون قادرة على صنع سلام بين الطرفين.

وفي المقابل، إن رفض العدو لقيام دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني يؤكد النية باستهداف الاردن، ولن يكون هذا الاستهداف بالوطن البديل بل في سياق وعد بلفور ونظرتهم للأردن كجزء من فلسطين وكعمق استراتيجي، وبالتالي ليكون الأردن مكان لجوء مرحلي للفلسطيني والأردني بسلطة تحت السيادة والنفوذ الصهيوني. وأخيرا وفي سياق نقل القضية الفلسطينية للفضاء العالمي نقول، عندما يُسقط كبار العالم القيم الإنسانية والعدالة عن الشعب الفلسطيني وعن قضيته، ويعجزون مع كل العالم عن حمايته حتى من الإبادة، فلا حق عندها لكائن من كان أن يقيد سلوك الفلسطينيين بأي معيار أو قاعدة سلوك، ولا أن يبقى الفلسطينيون مقاومين تحت الأسر والحصار، بل لا بد من ردة فعل استراتيجية ترقى لمستوى فعل الإبادة الجماعية لشعبنا وإصرارهم على النيل من المقاومة المحاصرة.

مقالات ذات صلة