انبرت إحدى القيادات الفلسطينية من على شاشة فضائية عربية معروفة إلى اتهام أبرز فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة بأنها كانت تتلقى الدعم من السلطات الإسرائيلية طيلة السنوات الماضية، وأن هناك تفاهمات بين العدو الصهيوني وهذا الفصيل، وأن المساعدات التي كانت موجهة للمدنيين في غزة استحوذت عليها حماس . بمعنى آخر فإن هذه القيادة التي تشغل عضو في المجلس الوطني الفلسطيني تتهم حماس بالتآمر والتنسيق مع العدو، لا بل فقد ذهب الأخ المحاور الى الإدعاء بأن السابع من تشرين أول كان باتفاق وتواطؤ من السلطات الإسرائيلية ،وأن اقتحام السياج من قبل حماس كان متفاهما عليه أو مسكوت عنه من قبل إسرائيل. والعجيب بالموضوع أن المحاور الإسرائيلي (وزير سابق) على الطرف الآخر رد عليه بأن هذه أوهام وكذب لا يصمد أمام ما لحق إسرائيل من خسائر كبيرة ومن سمعة مؤذية لجيشها.
ولا يعلم كيف يمكن لقيادة فلسطينية أن تصل افتراءآتها على المقاومة لدرجة أن وزير إسرائيلي يتصدى لها مذكرا بالضربة الموجعة التي تلقتها سلطات الاحتلال جراء العملية العسكرية التي نفذتها المقاومة يوم السابع من تشرين أول.ونود أو نذكر تلك القيادة الفلسطيينية أن سياسة المقاومة السلمية التي انتهجتها السلطة الفلسطيينة منذ إتفاقات أوسلو المشؤومة لم تؤدي الى نيل التحرر المزعوم ،لا بل فقد كرست الإحتلال وأصبحت السلطة بكوادرها البالغة أكثر من مائة ألف تحت هيمنة إسرائيل وتحكمها أمنيا وماليا وإداريا.
فسياسة السلطة الفلسطينية في التنسيق الأمني مع سلطات الإحتلال وفي سكوتها على مصادرة الأراضي ،والإجتياحات للمخيمات والبلدات الفلسطينية ،والضرب بعرض الحائط بالتقسيمات الإدارية التي تم الإتفاق عليها في أوسلو كل ذلك ساهم في تجميد القضية الفلسطينية التي لم تعد أولوية مهمة للدول المؤثرة في العالم ،كما شجعت إسرائيل على قضم الأراضي والإستطيان والتجبر بالشعب الفلسطيني أمام عيون قيادات السلطة الفلسطينية العاجزة. شكرا للمقاومة التي قررت ان تضع حدا لهذا الطغيان ولهذه الغطرسة حتى لو كلف هجومها في السابع من تشرين أول عشرات الآلآف من الشهداء والتدمير للمنازل والمرافق التي كانت أصلا ترزح تحت حصار مذل لأهل غزة.
فالقضية الفلسطينية عادت الآن لتصبح قضية العالم الأولى وتتقدم على حرب اوكرنيا ،لا بل فقد أصبحت تتسابق دول مؤثرة في العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية على ضرورة انهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية. وان المقاومة الفلسطينية كانت تدرك تبعات وتداعيات قرارها في 7 تشرين أول ،وأهل غزة لم نسمع منهم لغاية الآن الا الدعم للمقاومة ، وإسرائيل تعيش أسوأ اوضاعها في الداخل فاقتصادها معطل ، وخلافاتها السياسية مع أمريكا والعالم تزداد، وخسائرها البشرية اليومية تتعاظم ،والأهم تلك العزلة التي تعانيها إسرائيل في العالم جراء فظائعها في غزة.
وان سياسة المقاومة السلمية التي تبنتها السلطة الفلسطينية سياسة لا تفضي إلى وقف الإستيطان او التحرر والإستقلال. ولو اتبع الجزائريين ،واهل النيجر والسنيغال،وجنوب إفريقيا ،وأفغانستان وفيتنام وغيرها المقاومة السلمية في نضالها ضد الإستعمار لبقيت ربما ترزح تحت نير المستعمرين لغاية الآن.اذ إن كافة التشريعات الدولية تنص على شرعية مقاومة الإحتلال ولم تشير هذه التشريعات الى المقاومة السلمية.ولعلنا نشير هنا إلى أن المقاومة السلمية التي اختارت السلطة الفلسطينية اتباعها لا تجدي ولا تصمد أمام جنازير الدبابات ،وقصف الطائرات ،وسرقة الأراضي والمياه ،وقتل السكان وسجنهم وإهانة كراماتهم الإنسانية.
ولم نسمع يوما عن خروج الاستعمار واستقلال للدول بسبب المسيرات والمظاهرات والكتابات إلا في حالات نادرة لخروج المستعمر من بعض الدول الفقيرة التي كانت تشكل عبئا ماليا وإداريا على المستعمرين كما كان الحال في بعض دول قبل اكتشاف النفط والثروات والمعادن. فالمقاومة في غزة والضفة الغربية هي السبيل الوحيد لتحرير الأرض والإنسان ، وعلى القيادات الفلسطينية التي ترى بأن المطالبات الكلامية والشكوى والإحتجاج للمؤسسات الدولية ولمجلس الأمن المسيطر عليه من الولايات المتحدة وبريطانيا طريقا للتحرير والإستقلال أن تعيد النظر في مسارها وتدرك الحقائق والتجارب التي مرت بها وعايشتها الدول التي أثمر نضالها ومقاومتها “غير السلمية” في الإستقلال ونيل الحرية.