التحقيق فقط سيعطي الإجابة على الشطر الثاني من السؤال، وربما ايضا الضرورة السياسية لطهران لقبول سيناريو تصادف الظروف لما حدث. وبالنسبة للشطر الأول من السؤال، يمكن تقديم عدد من الافتراضات هنا. ومع ذلك، يمكننا بناء مقياس لهذه الافتراضات بالترتيب، من الأرجح إلى الأقل احتمالا: تعتقد الغالبية العظمى من الخبراء أن الشخص الأول المعني باغتيال رموز القيادة الإيرانية هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والجناح اليميني المتطرف في حكومته.
ومن الواضح أن هذا الاحتمال يأخذ في الاعتبار المأزق الذي وجد نتنياهو نفسه فيه بعد هجوم 7 تشرين الاول /أكتوبر ، اي عملية “طوفان الأقصى”، والوحشية غير المسبوقة التي أعقبت ذلك في تنفيذ الجيش الاسرائيلي للعملية الانتقامية التي لا معنى لها عسكريا، والتي تحولت، في الواقع ، إلى إبادة جماعية للشعب الفلسطيني مع كل ما يترتب من عواقب لهذه الجرائم سواء على رئيس الوزراء نفسه او على دولة الاحتلال ككل. ومن الواضح ان نتنياهو يحتاج إلى إطلاق صراع إقليمي واسع النطاق من أجل التستر على كل أخطائه وجرائمه؛
فالمكون المسيحي – الصهيوني للنخبة العالمية معني بزعزعة استقرار إيران. وقد يتضح هذا من خلال التصريح الذي صدر مؤخرا عن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي السابق في عهد الرئيس دونالد ترامب. وفقا له، فإن إيران والصين وروسيا وحلفائهم هم الذين يهددون النظام العالمي المسيحي – الصهيوني. وإذا تذكرنا محاولة الاغتيال الأخيرة لرئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو ، فإن كل شيء سيوضع في مكانه. ومن الواضح أيضا أن نتنياهو والمسيحيين – الصهاينة يمكنهم العمل معا من مركز تنسيق واحد لأجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية.
ويمكن لجميع الأطراف المعنية الأخرى التصرف فقط تحت إمرة الدور المشرف والتنسيقي للنخبة المسيحية – الصهيونية. وهذا ينطبق على المعارضة الإيرانية واللوبي الأرمني الدولي، وعلى ما يسمى بالأثر الأذربيجاني واجهزة المخابرات الأوكرانية ، وحتى على الطابور الخامس الروسي الموالي للغرب. وأكرر أن جميع الأطراف المعنية المذكورة أعلاه لا تستطيع التصرف بشكل مستقل.و إن اغتيال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يلبي مصالحهم بدرجات متفاوتة: من المفيد لأرمينيا تحريض إيران ضد أذربيجان بدافع الانتقام واستعادة الأراضي المفقودة. فإسرائيل مهتمة بمعاقبة أذربيجان لتطبيع العلاقات مع إيران. وان الأنجلو – ساكسونيون مهتمون بزعزعة الاستقرار في جنوب القوقاز انتقاما لروسيا وإيران ولانذار أذربيجان وجورجيا ، وما إلى ذلك.
فكل شيء سيعتمد الآن على الرواية التي ستتبناها إيران كاساس. فمن شبه المؤكد أن طهران ستتشاور أيضا مع حلفائها الخارجيين الرئيسيين (الصين وباكستان وروسيا) وسوف تتفقد جاهزية حلفائها في محور المقاومة (حزب الله ، أنصار الله ، الحشد الشعبي) وفصائل المقاومة الفلسطينية. الموضوع ليس مزحة. فإيران نفسها جربت قدراتها وقدرات العدو الاسرائيلي ومن يقف وراءه في عملية “الوعد الصادق”. اما الفتوى التي تستند إلى آية “واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم” بمكونها النووي، فقد أصبحت من الخيارات التي يمكن ان يلجأ اليها المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي. وربما نتحدث عن صراع إقليمي واسع النطاق!