بعد مضي أكثر من عامين على الحرب الروسية – الغربية في بؤرة الصراع المتمثلة بأوكرانيا والتي لم تستطع خلالها أمريكا والغرب أن تسجل هدفاً استراتيجياً في المرمى الروسي، تستمر السياسات الأمريكية في أخذ العالم إلى حافة الهاوية وذلك من خلال الدعم العسكري الكبير لأوكرانيا بأسلحة استراتيجية بعيدة المدى يصل مداها ل 300 كم لضرب أهداف حيوية في الداخل الروسي ، هذا بالإضافة إلى تصريحات الأمين العام لحلف الناتو الذي أجاز لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الغربية المتطورة ضد الكرملين وهذا ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد أمريكا والغرب ، ونشر صواريخ مماثلة طويلة المدى وعالية التقنية قريبة بما يكفي لضرب الدول التي تسمح لأوكرانيا باستهداف الأراضي الروسية .
وبمثل هذه الصواريخ وهذا التصعيد الكبير بين أمريكا ومعها الغرب وروسيا الاتحادية يعيد العالم لعقود للوراء لعام ١٩٦٢ عندما رد الاتحاد السوفيتي على نشر أمريكا صواريخ ثور وجوبيتر على أراضي كل من بريطانيا وإيطاليا وتركيا ، بنشر صواريخ نووية في كوبا وهذه الأزمة الدولية أوقفت العالم بأسره لمدة ثلاثة عشر يوما على حافة الهاوية من خوف انزلاق المواجهة لحرب نووية تدمّر البشرية .الا أن هذا التاريخ المؤلم للتدخلات الأمريكية التي تهدف لنشر العقيدة الأمريكية بالسلاح والايديولوجيا مازالت حاضرة ولم يكن هناك بالنسبة لحكم البيت الأبيض دروس مستفادة من تاريخ حافل بالنزاعات التي لم تكن فيها واشنطن الجهة المنتصرة .
فكما فشلت في إنهاء حكم الثورة في كوبا فيديل كاستروا بالرغم من كل الدعم المقدم للمعارضة المسلحة وتدخلها بشكل مباشر في الحرب التي انتهت بخسارتها وانتصار كاسترو، وانتقال كوبا للمعسكر الروسي الا أنها تكرر نفسها في سياساتها واستراتيجياتها واهدافها نتيجة ما تمتلكه من غطرسة تجعلها تكرر تاريخها في الصراع مع روسيا وهذا سيجعلها عرضةً لتكرار النتائج لهذا الصراع أي الهزيمة لكن بشكل أكثر إيلاماً.لم يتأخر الرد الروسي على هذه الحرب الأمريكية الغربية ليأتي هذا الرد الشرس لتحريض الذاكرة الأمريكية والعالم من خلال ما صرح به رئيس كوبا بأن فرقاطة روسية تعمل بالطاقة النووية ستزور هافانا الاسبوع المقبل لكن لن تكون محملة بأسلحة نووية .
وهذا يجعلنا أمام احتمالية تكرار أزمة خليج كوبا بما يمثله هذا الرد الاستراتيجي لبوتين على التهديدات الأمريكية كتهديد استراتيجي تضل أمريكا عرضة لتهديد كبير لأراضيها من بوابة الجزيرة الكوبية التي تبعد 90 ميل بحري عن سواحل فلوريدا .وفي قراءة سريعة لهذه المتغيرات الكبيرة على الساحة العالمية بين القوى النووية نستطيع أن نستقرأ مستقبل هذا الصراع فيما لو استخدمت كييف الصواريخ الأمريكية – الغربية ضد روسيا من خلال التصريحات الروسية والتغيرات الدولية.
ووجه الرئيس بوتين بإجراء تدريبات عسكرية نووية خلال الأيام القادمة وهذا يعني أن روسيا جادة في استخدام هذا السلاح وهذا متاح في العقيدة النووية الروسية لعام 2020 ومرتبط بتهديد السيادة الروسية .وانه إرسال رسائل واضحة لنشر صواريخ روسية مماثلة لضرب الدول الغربية ومصالحها ومنشآتها .الى جنب خروج الكثير من الدول من العباءة الأمريكية حتى الضعيفة منها وتمردها عليها وهذا سيوسع دائرة الخيارات الروسية لنشر صواريخها في أكثر من بقعة جغرافية على المستوى الدولي حيث توجد منشآت حيوية أمريكية وغربية
ومن ناحية التوقيت روسيا مرتاحة وبوتين متوجا رئيس لروسيا بينما أمريكا تعيش توترات كبيرة سبقت السباق الرئاسي بموجات من الغضب نتيجة دعمها وتورطها في حرب الابادة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني .وأن هذه المستجدات على الساحة الدولية تزيد من الأزمات العالمية وتجعلنا نعيش مرحلة تمهيدية للحرب العالمية الثالثة ، فهناك الكثير من بؤر التوتر في العالم والكثير من الأزمات والحروب والصراعات التي تشكل أمريكا رأس الافعى فيها لكن مع هذه التحولات الخطيرة في الخطاب والسلوك الأمريكي الغربي – والرد الروسي تجعل إمكانية الوصول إلى الذروة أمراً حتمياً فيما لو نفذ طرفي الصراع الدولي تهديداته أو أن تعود أمريكا لتحكيم المنطق المعتمد على واقعها وازماتها وتتراجع وبذا يكون انتصر بوتين في هذا الفصل من التصعيد وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة .