المؤسف أن العرب هم الأضعف قيمياً بين الأمم في هذه الحقبة الزمنية، ولن تتردد كثيراً في وصف الحال العربي اليوم بأنه صورة واضحة ودالّة على اختفاء العروبة والعرب من الخرائط، فهم يعيشون الآن حالة ذهول يَصعُب فيها الإدراك التام لكل ما يجري داخل الجغرافيا العربية! فهناك الكثير من الاسئلة والتنبؤات لما يُخطَّط له خلف الأبواب المغلقة فيما يخص المنطقة العربية وجوارها تستهدف إعادة رسم الجغرافيا الديموغرافية للمنطقة (بديلاً عن خريطة سايكس – بيكو القديمة) تكون فيها إسرائيل فقط القوة المهيمنة، والعمل على تفتيت دول المنطقة إلى دويلات وكيانات طائفية متناحرة، فقيرة ومتطرفة.
فكل الدلائل تُشير إلى ان الصهيونية العالمية ومعها الغرب يعملون على تذويب النظام العربي والقضاء على أفكار الهوية العربية، وفرض إسرائيل قوة إقليمية من خلال تغير الخريطة السياسية للمنطقة بأوزان اقتصادية وعسكرية.فالنظام العربي فعلياً شَبع موتاً وصار جثة هامدة، فـ نحن أمام حالة من التردي ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، القادم خطير لا محالة! ومصطلح الوطن العربي لم يعد له أي دلالة على مستوى الواقع!والقادة العرب مازلوا نيام ويتآمرون على بعضم البعض وينفذون رغبات الغرب والصهيونية وفي طريقهم إلى هوة سحيقة لا أحد يعرف عُمقها!
فـكم هو هزليٌ هذا النظام العربي!! اثنان وعشرون دولة عربية لا تزنُ صفراً، وأعجز على صعيد السياسة العالمية، وغالبية تلك الأنظمة العربية تفتقرِ لاستقلال الإرادة والقرار، وشعوبها تعيش حالة انفصال عنها، وما زالت تعيش واقعاً بائساً لا يوحي بأي نهوض مستقبلي! ولأَجْل ذلك استعمل الغرب كل عبقريته ووفر كل وسائله للتحكم في اختيار الكثير من الحكام والقادة العرب وتحويلهم إلى لُعب متحركه (طائعة خاضعة مُنقادة)، ومجرّدة من كل انتماء للزمان والمكان! وهذا ما تحدّث به صراحة قبل أشهر المدير التنفيذي لمنظمة حقوق الإنسان بأن الغرب بشكل عام راضٍ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدعم طائفة من المستبدين العرب كونهم ضمانة لمصالح الغرب وأمن إسرائيل!
وبكل الأحوال المنطقة العربية وتحديداً المنطقة المحايدة لقوس الأزمات الممتد من مضيق هرمز والخليج الفارسي والى العراق وسوريا وفلسطين وينتهي بقناة السويس أصبحت مسرحاً لنشر الفوضى و بؤرة للصراع الدولي وممراً نموذجياً لإختيار القوة واستعراض العضلات! خصوصاً في ظل الإنهيار الحالي للدولة الوطنية في غالبية دول المنطقة. فماذا يعني هذا كله ؟ إقليمياً قوة تركيا وإيران في ازدياد، وحضورها بات قوياً في الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، والواضح ان انهيار الدولة الوطنية وتحول المنطقة إلى حطام فَتَحَ شهية تلك القوى الإقليمية إلى استغلال الأوضاع والتمدد في المناطق التي وجدت فيها سابقاً باعتبارها جزءاً من مجالها الحيوي الذي أُخذ منها بعد الحرب العالمية الأولى.
والمتابع لحركة ما يجري يرى أنه إذا بقيت الأمور في الوطن العربي على هذا النحو فلن يكون حديثنا عن مصير الهنود الحُمر افتراضاً متشائماً! لأن الذي جرى معهم في بداية القرن السابع عشر وانتهى بمَحو شعوبهم وحضارتهم وإبادة مجتمعاتهم سيتكرر قريباً في البلدان العربية! وسوف تسقط أسماء مُدننا العربية من ذاكرة الأجيال بالتقادم! فها هو أسم إسرائيل حل محل اسم فلسطين! ولا نعرف غداً أي أسم سوف تأخذه الرياض ودمشق وبغداد وعمّان. وأن هذا الجلدٌ للذات ومؤلم، لكن على فرض تم اختفاء العرب وتم محوهم ماذا سيحصل ؟
وبالتأكيد لن يحصل شيءٌ، ولن يفقد أي أنسان في العالم أي نوع من الدواء، ولن تتوقف الأقمار الصناعية ولا مصانع السيارات ولا المعدات الطبية! فالعرب ليس لهم أي دور في الإنتاج الحضاري والصناعي والتكنولوجي ! فهذا هو زمن صهيوني بامتياز قلّت فيه المضادات الحيوية الفكرية والسياسية، وانعدمت فيه المناعة والحصانة، ولكي ينجو النظام العربي من اضطرابه وتَوحُّدِه عليه التخلص من أساليب الخيانة والدونية ليُقدّم للعالم مُبرراً في أن يستمر ويعيش، فمن يقبل بذلك أول مرّة بدل النّدية يَهون ويُهان.