للكاتب سنية الحسيني
تصعيد عنيف يمارسه الاحتلال في الضفة، وقد يكون للتطورات المفتوحة على الجبهات الأخرى تأثيراً على هذا التصعيد، مع الوضع بعين الإعتبار أن الضفة الغربية، الخاضعة لسلطة الاحتلال الفعلية وسيطرته الأمنية يحمل الاعتداء عليها اعتباراً خاصاً، يفرض على القوة القائمة حماية السكان. وتماماً كما تتعرض غزة منذ أكثر من عشرة شهور لهجمات مدمرة على شعب محاصر ممنوع من الحركة، ويحرم من أبسط الحقوق الإنسانية اللازمة لاستمرار حياته، وسط صمت دولي متواطئ. وإن دعم الولايات المتحدة وحلفائها المفتوح لإسرائيل وصمت العالم أمام المجازر المقترفه في غزة يفتح لنا مجال سوداوية التوقعات في الضفة أيضاً.
وفي سياسة غير معهودة في الضفة الغربية أنذر الاحتلال سكان مخيم نور شمس بالخروج من مخيمهم تمهيداً لقصفه، وكان قد بدأ سياسة قصف جوي لاهداف فلسطينية العام الماضي. وإن تلك الأحداث تنسجم مع تصريحات سابقة تحدثت قبل أيام حول نية الاحتلال شن هجوم من نوع مختلف عن المتعارف عليه في الضفة الغربية، ويبدو أننا نشهد إرهاصاته.فقد جاء ذلك التحرك باتجاه الضفة الغربية في ظل ثلاثة عوامل، الأول يتعلق بنتنياهو وحكومته والتطلعات بالبقاء في الحكم، وهو للأمر الذي يتطلب بقاء الوضع الإسرائيلي في حالة أزمة، بينما يرتبط العامل الثاني بتطورات الهجوم على غزة والذي لم يحقق أهدافه بالقضاء على حركة حماس، الصامدة في الميدان، عدم اخراج المحتجزين، وبقاء الوضع ضمن حدود حالة من الاستنزاف في غزة.
ويتعلق العامل الثالث برد حزب الله الأخير، والذي أكد على خلاصة تفيد بصعوبة فكرة الذهاب لحرب مع لبنان الآن في ظل الظروف الحالية. ففي إطار هذه العوامل الثلاث وتفاعلاتها، يبقى اشعال نتنياهو لجبهة الضفة الغربية الآن أقل الأثمان تكلفة لضمان استمرار حكومته، وذلك بتنفيذ خطط موضوعة سلفاً. وهذا من شأنه أن يعني أننا أمام جبهة مفتوحة وممتدة زمانياً، أي ليست أحداث عابرة متفرقة، بل هي خطة لضبط الأوضاع ورسم الحدود في الضفة الغربية. لعل أهم التطورات التي جدت على الساحة اليوم في ظل معارك نتنياهو المفتوحة، رد حزب الله الأخير قبل أيام، والذي قد تكون نتائجه محفزاً لاضطرار نتنياهو لفتح جبهة الضفة.
وليس من الخفي أن إيران وحزب الله عملا بكل طاقاتهما لمنع انفجار حرب إقليمية واسعة مع الاحتلال، تجنباً لأثمانها الباهظة، وتعطيلاً لأهداف نتنياهو وتوجهاته. ورغم توجه ورغبة حكومة نتنياهو اليمينية لذلك، في ظل تعقدات المشهد الميداني وتحذيرات الحليف الأميركي ونصيحة حلفاء غربيين.فقد تعمد حزب الله تأخير رده لمدة شهر تقريبًا، في ظل ترتيب حدود الرد، وإعطاء فرصة لمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة التي أطلقتها الولايات المتحدة في أعقاب حادث اغتيال فؤاد شكر وإسماعيل هنية لامتصاص فرصة نشوب حرب إنتقامية، ليثبت حزب الله أن أولوياته وقف الحرب على غزة، وأن من شأن وقف العدوان على القطاع إطفاء جميع الجبهات المشتعلة الأخرى.
وفي ظل رد محسوب بعناية وجه الحزب نيرانه بعيداً عن المدنيين، في رسالة أراد فيها إبعاد المدنيين عن معادلة الصراع. واعتبر أن وضع ذلك المعطى في معادلة الردع من قبل حزب الله اضافة مهمة على المعادلة، بعد أن أثبت العدو استهانته الفاضحة بحياة المدنيين، في الماضي وحاضر غزة. وإن ذلك المعطى لهو رسالة للإسرائيليين قبل أي جهة أخرى، وتعني أن انضباط هجمات جيش الاحتلال تجاه المدنيين اللبنانيين، يعني حماية تلقائية للمدنيين في الشارع الإسرائيلي. وجاء رد حزب الله مستقلاً عن باقي أطراف التحالف الأخرى الأمر الذي يفتح المجال لهجمات تالية ويعني أن حالة الانتظار والترقب وعدم اليقين لدى حكومة الاحتلال لاتزال مفتوحة.
وطالما واجهت القوات الوطنية المسلحة جيوشاً تقليدية جرارة في الماضي وانتصروا عليها، مهما بلغت قوة تلك الجيوش التقليدية، وبساطة المواجهة الوطنية، وكثيراً ما حسمت النتائج لصالح تلك القوى الوطنية، ولعل التجربة الأميركية في فيتنام والعراق وأفغانستان خير مثال على ذلك. واليوم تدخل المواجهة بين تلك القوى الوطنية والقوى المحتلة أو الغازية في منطقتنا مرحلة متطورة تخطت الحدود الماضية في ظل التطور التكنولوجي الهائل ويسر الوصول اليه، فما بين الصواريخ الموجهة القصيرة المدى والمتوسطة والطويلة، والطائرات بدون طيار، والهجمات الإلكترونية والعمل من داخل الأنفاق تحت الأرض، باتت المواجهة أشد تعقيداً، وغير مضمونة النتائج.