للكاتب محمد الحسيني
ما بدأه العدو الإسرائيلي من حرب إبادة ضد الفلسطينيين في غزة، لا ترتبط أهدافه بمسألة القضاءعلى حركة حماس كتنظيم إسلامي مقاوم للاحتلال فحسب، كما لم يكن يوم 7 اكتوبر سبباً رئيساً لانطلاق شرارة حرب تهدف لاستعادة الأسرى فحسب أيضاً، كذلك فإن ما يحصل اليوم في لبنان لا يتعلق بمحاولة الاحتلال إضعاف قدرات حزب الله كتنظيم عسكري مقاوم له علاقاته الاستراتيجية بكل من إيران وسوريا والعراق فحسب، كما لم يكن تدخله منذ 8 اكتوبر في إسناد جبهة غزة سبباً مباشراً لخوض العدو هذه الحرب المدمرة فحسب أيضاً، وحتى ولو أضفنا إليها الحجة “الأنسانية” بإعادة المستوطنين إلى الشمال الفلسطيني المحتل التي يدعيها نتانياهو بأنها الهدف الأساس للعملية العسكرية، كل هذه لا تشكل أسباباً تبرر حجم التدمير والقتل والتهجير الممنهج الذي يمارسه.
إذ أ ما يري في لبنان ليست سوى ذرائع واهية لدخول الحرب ضد لبنان من بوابة توسيعها إلى حرب اقليمية وصولاً إلى هدفه الرئيس، وهو تغيير خارطة الشرق الأوسط وقلب التوازنات القائمة فيه، على قاعدة أن تكلفة هذه المعركة ستكون كبيرة جدا عليه ولن يتمكن من تحملها وحيدا، لذا سيعمل على استدراج كل من واشنطن وطهران إلى آتون هذه المعركة.فنتانياهو الذي عارضته منذ البداية القيادة العسكرية لجيش الاحتلال حول جدوى تورطه في حرب إقليمية بمعزل عن تحالف أميركي – أوروبي – عربي ضد محور المقاومة يُمكّنه من فرض خياراته السريعة عليه.
فقد ارتأى نتنياهو أن ينفرد بقرار الحرب ضد لبنان بمنأى عن الجميع على قاعدة وضعهم تحت “نيران الأمر الواقع” لأنه يعلم مسبقاً حتمية الدعم الأمريكي مع فترة سماح له بالقتل والتدمير حتى دخول رئيس جديد البيت الأبيض في واشنطن. ومن أجل تنفيذ مشروعه الكبير القائم على تفتيت المنطقة وإخضاعها للهيمنة الاميركية-الصهيونية، بغية السيطرة على منابع النفط والغاز على امتداد الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط الذي يضم سوريا ولواء الاسكندرون جنوب تركيا، وصحراء سيناء، ناهيك عن الضفة الغربية والأردن لتوسيع الاستيطان فيهما. ويظهر جلياً هذا الأمر عبر مسارعته يوم 29 سبتمبر إلى إعلانه “إلغاء اتفاقية الغاز مع لبنان” تزامناً مع بدء حملته العسكرية على الأراضي اللبنانية.
لقد تجاوزت مخططات نتانياهو الجديدة والمتهورة مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير بأشواط كثيرة وتجاوزت أيضاً ما عُرف بعد ذلك ب”صفقة القرن” ضارباً حل الدولتين بعرض الحائط، مستغلاً حمى الانتخابات الرئاسية في الصراع على البيت الأبيض، وبإيماءات الموافقة الباهتة من قبل الدول الأوروبية على خطابه الأخير حين أبرز خريطتي ” النعمة واللعنة” كما أسماهما، مبرراً بذلك مباشرته بتنفيذ مشروعه الجديد “النعمة”… ومعلناً عن ساعة الصفر لبدء العمل به من على منبر الأمم المتحدة في يوم الاغتيال الكبير للشهيد القائد السيد حسن نصرالله، تلاها بدء الغزو البري الذي اصطدم بمقاومة رجال حزب الله عند الحافة الأمامية.
وفي تبديل واضح لتكتيك المقاومة عما شهدناه خلال تموز العام 2006 حين عمدت إلى استدراج العدو إلى عمق القرى الجنوبية حتى مشارف الليطاني للإيقاع به فكبدته في حينها خسائر فادحة، فإنها اليوم تتبع تكتيكاً مغايرا وهو الإنتقال من الدفاع الثابت إلى المتحرك ، حيث تبدأ المرحلة الأولى بالدفاع الثابت على الحد الأمامي بالاعتماد على العبوات الناسفة والصواريخ المضادة للدروع في التصدي لمحاولات تقدم العدو، فضلاً عن قصف تجمعاته في نقاط التألب ضمن الأراضي المحتلة بهدف إيقاع أكبرالخسائر الممكنة في صفوفهم، ومن ثم الأنتقال إلى المرحلة الثانية أي الدفاع المتحرك باعتماد اسلوب القتال ضمن مجموعات صغيرة تقوم بتنيفذ عمليات قتالية من كمائن وإغارات بمختلف الأشكال .
وفي الوقت الذي يقف فيه حزب الله وحيداً في الميدان متصدياً للغزو الإسرائيلي، فإن مفاعيل هذا الغزو تتنامى وتتمدد خطراً يهدد الكيان اللبناني برمته، وما قصف العدو لطريق المصنع الدولي الذي يربط سوريا بلبنان سوى مقدمة لمحاولة عزل البلد عن العالم الخارجي، قد يتبعه من بعد إجلاء الدول الأجنبية لرعاياها اعتداء على مطار رفيق الحريري الدولي لإيقافه عن العمل، فضلاً عن محاولات قد يلجأ إليها العدو بفرض حصار بحري على الموانئ اللبنانية بحجة منع وصول السلاح إلى حزب الله ليصبح لبنان عملياً تحت قانون “قيصر الأمريكي” لكن بأداة قتل وتدمير اسرائيلية.