حزب الله يلقّن إسرائيل درساً في الاستراتيجيات العسكرية

للكاتب فاطمة عواد الجبوري

غالباً ما يصور الصراع بين حزب الله وإسرائيل على أنه صراع بين ديناميكيات القوة غير المتكافئة، حيث يوجد جيش إسرائيلي جيد التمويل ومتقدم تقنياً من جهة وحركة مقاومة من جهة أخرى. ومع ذلك، فإن صعود حزب الله، وخاصة في السنوات الأخيرة، تحدى مثل هذه المقارنات التبسيطية. فبعيداً عن كونه مجموعة من المقاتلين المنظمين، تحول حزب الله إلى قوة متطورة ومتعددة الأوجه تتمتع بالاحترام العسكري والنفوذ السياسي، ليس فقط داخل لبنان ولكن في جميع أنحاء العالم العربي الأوسع والعالم كذلك. وهذا ليس تطوراً عابراً؛ بل هو تتويج لعقود من التطور الإيديولوجي والتنظيمي والعسكري.

وفي هذا السياق، فإن استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، لم يشكل ضربة قاتلة بل، بل كان زادت من حشد الحركة وأنصارها. وإن قوة حزب الله لا تعمد فقط على زعيم واحد، بل إنها متأصلة بعمق في بنيته وشعبه وقضيته. لقد تم دحض الأسطورة التي تقول إن قوة حزب الله يمكن أن تتضاءل من خلال القضاء على شخصيات رئيسية. وإن استشهاد القادة كان له تأثير كبير على تعزيز عزيمة حركات المقاومة، وحزب الله ليس استثناءً.و إن رجال الله، يواصلون الوفاء بوعودهم بتفانٍ لا يتزعزع. وإن المواجهات الأخيرة على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية تسلط الضوء على فعالية استراتيجياتهم العسكرية.

وفي أعقاب الاشتباكات العنيفة، تتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية الآن عن “كارثة المناورة البرية في الشمال”، مما يعكس الفشل العميق لمحاولات إسرائيل لتحييد وجود حزب الله في لبنان.لقد وجدت وحدات النخبة الإسرائيلية، بما في ذلك لواء “إيغوز” و”غولاني” سيئي السمعة، والتي كانت تعتبر ذات يوم قمة قواتها البرية، نفسها محاصرة بشكل غير متوقع في مواجهة التألق التكتيكي لحزب الله. وقبل أيام قليلة، ظهرت تقارير عن الهزيمة الساحقة لوحدة “إيغوز”، وبعد فترة وجيزة، قُتل 17 عضوًا من لواء “غولاني” في مواجهات شرسة مع الحزب. إن هذه الوحدات النخبوية، التي كانت تحظى في السابق بالثناء على براعتها، تواجه الآن الواقع القاسي المتمثل في الاشتباك مع قوات حزب الله المتخصصة على أرضها ـوهي البيئة التي تتفوق فيها المقاومة اللبنانية.

واللافت للنظر هنا ليس فقط الهزيمة العسكرية التي منيت بها هذه الوحدات الإسرائيلية، بل وأيضاً الطبيعة الرمزية لهذه المعارك. فقد وضع حزب الله نفسه في موقف يشبه موقف داود بالنسبة لجالوت الإسرائيلي، متحدياً بذلك فكرة أن إسرائيل لا تقهر. وتثبت العمليات التي نفذها حزب الله، والتي تجاوزت الثلاثين اشتباكاً في يوم واحد، مستوى من التطور يفاجئ حتى المحللين المخضرمين. فمن الكمائن والفخاخ إلى إطلاق الصواريخ التي تستهدف المستوطنات، تكس قدرة حزب الله على رب عمق أراضي العدو كلاً من بصيرته الاستراتيجية وتفاني مقاتليه. والآن تواجه القوات الإسرائيلية، التي كانت ذات يوم واثقة من قدرتها على تنفيذ مناورة برية سريعة، احتمال “الغرق في مستنقع لبنان” مرة أخرى، كما حدث في صراعات سابقة.

لقد أدى هذا الفشل الميداني من جانب إسرائيل إلى تصعيد مؤسف في العنف، حيث لجأت القوات الإسرائيلية إلى الغارات الجوية على المناطق المدنية في محاولة للانتقام. وقد تحملت القرى والمدن في جنوب لبنان، ووادي البقاع، والضواحي الجنوبية لبيروت العبء الأكبر من هذه الغارات الجوية. وقد وقعت واحدة من أكثر الأحداث المروعة في الآونة الأخيرة في منطقة الباشورة، حيث استشهد سبعة مسعفين من هيئة الصحة الإسلامية بعد استهداف مركزهم عمدا. وإن هذه الجريمة، وهي عمل من أعمال الانتقام المحض، تكشف عن يأس الجيش الإسرائيلي، الذي أصبح الآن غير قادر بشكل متزايد على الفوز على الأرض وبالتالي يلجأ إلى الضغط على المدنيين للفرار من خلال العنف والخوف.

إن صعود حزب الله إلى الصدارة مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمجموعة من الظروف الذاتية والموضوعية. فمن الناحية الذاتية، حافظت مجموعته الأساسية من الأفراد الملتزمين أيديولوجيًا، والذين تربطهم رؤية مشتركة للمقاومة والعدالة الاجتماعية، على تماسك المنظمة خلال الأوقات المضطربة. وإن رحلة حزب الله في جوهرها ليست مجرد قصة جماعة مقاومة تقف في وجه إسرائيل؛ بل إنها قصة تحول ثوري. وهي تمثل تفاعلا ديناميكيا بين الإيديولوجية والجيوسياسية الإقليمية والتكيف الاستراتيجي. وعلى مر السنين، برز حزب الله كنموذج للمقاومة أعاد تعريف طبيعة النضال العسكري والسياسي في العالم العربي. وبالنسبة للعديدين، فإن حزب الله ليس مجرد قوة عسكرية بل هو رمز لجهود التحرير العربية .

مقالات ذات صلة