الوحش الإسرائيلي والفرائس العربية

فاصل   فايز أبو شمالة

لم يكن بمقدور الجيش الإسرائيلي التفرغ بكامل طاقاته الاستخبارية والعسكرية والمعنوية ضد حزب الله في لبنان مع بدء معركة طوفان الأقصى، في تلك الأيام المصيرية من تاريخ المنطقة، اكتفى حزب الله بدور المساند للمقاومة الفلسطينية، وبدأ يشاغل الجيش الإسرائيلي مشاغلة لم تَحُلً دون تفرغ الجيش الإسرائيلي بكامل طاقاته وقدراته ليصب جام حقده على غزة، مشاغلة لم تحل دون استدعاء مئات آلاف الجنود الإسرائيليين ضد أهل غزة، مشاغلة لم تستنفر الجيش الإسرائيلي للتوجه بجل قدراته إلى الشمال، كما يحدث في هذه الأيام، مشاغلة أعطت للجيش الإسرائيلي فرصته لاستكمال العدوان على غزة، دون أن يفقد السيطرة على مجريات الأحداث على بقية الجبهات، ودون أن يشتت قدراته العسكرية والاستخبارية بعيداً عن المعركة الدائرة على أرض غزة.

ورغم كل ما سبق، فلا يصح أن نتجاهل أهمية مشاغلة العدو، وسحب بعض قطاعات الجيش إلى الشمال، ولكن العارف بالعقلية الإسرائيلية، والعدوانية الإسرائيلية، يدرك أن مشاغلة العدو في معركة مصيرية لا تكفي، ولا تني عن المشاركة الحقيقية للجبهة الشمالية، ولاسيما أن تجربة العرب بشكل عام مع العدو الإسرائيلي، أكدت على حذر العدو من المحاربة على أكثر من جبهة، وعجزه عن حسم المعركة على جبهتين معاً، واهتمامه بعدم زعزعة ثقة المجتمع الإسرائيلي على مستقبله، وهو يخوض المعارك على أكثر من جبهة.

وان مشاغلة الجيش الإسرائيلي أضرت بالأمن الإسرائيلي إلى حدٍ ما، وفرضت على عشرات آلاف الصهاينة الهجرة بعيداً عن الحدود الشمالية، وفرضت على الجيش الإسرائيلي الاستنفار والتحفز طوال الوقت، ولكن الاستفراد بالمقاومة في قطاع غزة فرض على القيادة السياسية أن تكظم الغيط، وأن تحتمل أضرار حرب الاستنزاف على جبهة الشمال لمدة سنة كاملة، تمكن خلالها الوحش الإسرائيلي من إفراغ كامل حقده وانتقامه في غزة، التي مثلت الثور الأبيض، الذي حاول الوحش التهامه مطمئناً على عدم تدخل بقية الاخرين على الجبهات الأخرى، وحتى إذا اطمأن الوحش على تهشيم قرون الثور الأبيض، انقض بناب الكراهية ومخلب الإرهاب على المقاومة  في الجنوب اللبناني، وبدأ في استهداف مراكز القيادة.

فانقضاض الوحش الصهيوني على حزب الله، والاستفراد به في هذه المرحلة، لا يعني إغماض عين الوحش الصهيوني عن إيران، وللصهاينة أطماعهم الاستراتيجية في السيطرة على كل المنطقة، وهم يرفضون المنافسة، ويرفضون وجود أي قوة على الأرض تضاهي قوتهم، وتتناقض مع أطماعهم، وللصهاينة أولوياتهم، وإذا كانت غزة هي البداية، فلن تكون لبنان هي النهاية، وسيواصل العدو الإسرائيلي افتراس أعداءه في المنطقة، طمعاً في الاستئثار بالموارد العربية والبلاد العربية والأجواء العربية، وحتى الثقافة العربية، ولكن وفق استراتيجية التدرج، وتحديد الأولويات.

فانقضاض الوحش الصهيوني على ايران ، ونهش اللحم الإيراني، لا يعني نجاة البلاد العربية من مخالب الوحش، ولا يعني سلامة الأمة، وأنها حققت أحلامها بالتخلص من عدو زعموا أن له أطماعاً في المنطقة، بل على العكس من ذلك، فذبح الوجود الإيراني، يعني إفساح المجال أمام الأطماع الصهيونية في المنطقة العربية دون خوف أو وجل، وذبح الوجود الإيراني يعني ذبح التناقضات بين مصالح الدول، تناقضات يمكن توظيفها لصالح اللاد العربية.

إن حسم الصراع في المنطقة لصالح العدو الإسرائيلي يعني خضوع البلاد العربية كلها تحت رحمة المنتصر، وهذا ما يقوله منطق التاريخ، وهذا ما كشف عنه نتانياهو حين قال: سنغير وجه الشرق الأوسط، وهذا التغيير لا يصب في صالح العرب بشكل عام، ولا يصب في صالح الأردن ولبنان ومصر والعراق وسوريا والسعودية بالتحديد، وهي الدول التي تقع أراضيها ضمن الوعد التوراتي؛ حين خاطب رب إسرائيل يعقوب قائلاً له: أعطيت هذه الأرض من نهر مصر، إلى النهر الكبير، نهر الفرات.

مقالات ذات صلة