التدخل الأجنبي .. وصراع السيطرة والتمدد

للكاتب نور ملحم

لم يكن من المتوقع أن يبقى كل طرف سوري مشارك في الصراع الداخلي متحفظًا على التدخل الخارجي رافضًا له، وأسوأ ما في هذا التدخل هو أن الدول العظمى قد وضعت أقدامها على الأرض السورية، وكل واحدة منها لا يمكن أنّ تخرج بدون حصاد تحققه لمصالحها. وكل حصاد يتم لصالح قوة خارجية هناك خسارة سورية في مقابل ذلك. ويبدو أنّ الإدارة السورية الجديدة لم تولِ اهتمامًا بتدخل الدول الكبرى بما يتناسب مع تطلعات هذه الدول، ولم تكلف نفسها بدراسة التدخل المباشر للدول الكبرى، وأثره على النسيجين السياسي والأخلاقي للدولة، والمردود السلبي المترتب على تدخلها، ولا تأثير هذا التدخل على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

فقد شكلت أميركا قوة التحالف الدولي من أجل القضاء على تنظيم داعش، لكن إبان عمل طائرات هذا التحالف رأينا داعش يتمدد في سوريا ويسيطر على المزيد من الأراضي والمدن والقرى. كما أن من المتعارف عليه أن أميركا تقدم دعمًا متنوعًا للقوى الكردية التي لا ترضى عنها تركيا، فهي تقدم السلاح بحجة أن هذه القوى تقاتل داعش، لكن المراقب لا يستطيع أن يغض الطرف عما يتم تحضيره للمنطقة ككل من خلال القضية الكردية. وبالمقابل، تركيا لها أطماع في الشمالين السوري والعراقي وهي معروفة للجميع، وهي باتت اليوم تفرض نفسها وبقوة في سوريا.

اذ يتعامى المسؤولون الغربيون عن تطلعات السوريين حين يطرحون اشتراطاتهم، ولا يعيرون أي اهتمام إلى حالة سوريا المنهكة والمدمرة، وحاجتها إلى مدّ يد العون والمساعدة في بناء ما تهدم، وإلى بذل جهود كبيرة للعمل على تمتين النسيج الاجتماعي الداخلي المتهتك، وتوفير الأمن والخدمات للناس، والعمل على تطوير الاقتصاد. فمشهد التدخل الأجنبي يتكرر في العديد من الدول، وبالأخص أن الولايات المتحدة الأمريكية هدفها الأول في كل بلد هو اندلاع الحرب لتبقى المسيطرة على المشهد العالمي من خلال التدخل المباشر أو غير المباشر.

وتلعب اليوم أمريكا دورًا بارزًا من خلال بث الفتنة ما بين الهند والصين وذلك من خلال رسائل غير مباشرة من قبل خبراء اقتصاديين أميركيين بعدما قررت الصين بناء أكبر سد في العالم على نهر براهمابوترا في التبت، مما أدى إلى تكثيف التوترات مع الهند، وأثار مخاوف من أزمة مياه محتملة لملايين السكان في مجرى النهر. وقد أثار المشروع الطموح الذي تبلغ تكلفته 137 مليار دولار، والذي يقع في منطقة الهيمالايا الهشة بيئيًا، انتقادات حادة من الخبراء والمدافعين عن البيئة والجماعات السياسية.

فقد ولّد هذا شعوراً لدى صناع السياسات والخبراء البيئيين في الهند بتشكك عميق في نوايا الصين، وهم يخشون أن يؤدي السد إلى تعطيل تدفق نهر براهمابوترا، مما يؤدي إلى نقص المياه الذي من شأنه أن يدمر الزراعة، ويؤثر على توليد الطاقة، ويعرض سبل العيش في الولايات الشمالية الشرقية للخطر. وقديماً كان الغرب وحده يلهث وراء خيرات العالم الفقير، وقد استنزف منها حد التخمة. واليوم دخلت على الخط قوى جديدة ممثلة في الصين وروسيا وتركيا وإيران. فالتدخلات الأجنبية في حركة شعوب المنطقة تسعى لتحقيق أهداف حرب السيطرة التي بدأتها بواسطة الأساطيل والاحتلال للعراق وأفغانستان.

وتحتاج القوى الدولية الكبرى إلى الانتشار والتموقع عبر العالم. وفي بحثها عن الانتشار، تخوض جهد البحث عن حلفاء وشركاء في العالم الثالث ممثلاً في إفريقيا وآسيا. وتأمين الحلفاء في هذه الأجزاء من العالم يحتاج إلى الإغراء والترهيب معاً. ونتيجة تدخل العظماء، إنهم يستحوذون على القرار، وهم الذين يملكون المال، وهم الذين يحملون العصا الغليظة، وما على أصحاب الشأن إلا أن ينتظروا مصيرهم وفق قرارات الآخرين. أما بالنسبة لتعامل الهند والصين مع هذه القضية المثيرة للجدل، لا يمكن أن تكون المخاطر أعلى، مع ندرة المياه التي تلوح في الأفق كتحدٍ عالمي، فإن نزاع نهر براهمابوترا هو تذكير صارخ بالحاجة الملحة إلى تقاسم الموارد المستدامة والعادلة في عالم مترابط بشكل متزايد.

مقالات ذات صلة