تعد حيثيات اندلاع الحرب في أكرانيا تؤكد بأنها حرب قامت على غير أسبابها سواء المعلنة أو المستنبطة، فكلها غير كافية وغير مقنعة لشن الحرب التي فرضتها أمريكا على روسيا لتخوضها أكرانيا بالوكالة. ومما يؤكد أنها حرب جاءت لأسباب ومآرب أخرى. فأسبابها المعلنة كان تداركها ممكناً وواجبا وحتمية سياسية، حيث روسيا كدولة كبرى عظمى تحتل مكانة عسكرية تستطيع معها ردع العالم بكليته إذا استشعرت خطرا على أمنها وسلامة وجودها، تعرضت لهذا الموقف وبررت مخاوفها ومشروعية مطالبها التي كانت بسيطة تتحوصل في عدم ضم أكرانيا للناتو، وركبت أمريكا رأسها رغم علمها بأنها حرب ستنتهي بانتصار روسيا مهما طالت وكانت التكلفة.
وأما الأسباب المستنبطة والمقالة في الإعلام والتحليلات فأبرزها إنهاك روسيا بالعقوبات الاقتصادية وبمستنقع الحرب كمنافسة لأمريكا في أحادية القطبية، وهذا سبب فيه مغالطة حيث تعلم أمريكا بأن العقوبات ترتد على الداخل الأمريكي والغربي بذات النتائج وأكثر. وإن قلنا أن في الحرب درساً للصين ولغيرها من الدول فهذا يحفز هذه الدول العملاقة على تقنين تحالف بوجه ألتحالف الأمروغربي. وهناك من يقول بان أمريكا تريد العودة للحرب الباردة كي تبقي دول أوروبا منضوية تحت جناحها وأن هذا سبباً ضعيفاً مع دول واعية ستعاني بالمجان، وقد يؤدي فشله لنتيجة عكسية لتلازمه مع الإرتداد سلبياً على التحالف الأمروغربي، هذا علاوة على وجود وسائل أخرى لتحقيق الهدف أقل كلفة.
وهناك ما يُرجح عدم استهداف روسيا لذاتها من هذه الحرب وإدامتها،. فالمتتبع لمجريات العلاقات الأمريكية الروسية منذ تفكيك الاتحاد السوفييتي يجد بأن سياسات أمريكا على الساحة الدولية لم تراع فيها مصالح روسيا، بينما روسيا كانت في موقع اللائم دون فعل. وتحولت فيما بعد الى موقع المدافع عن قضم مصالحها العليا حتى لو جاء دفاعها أحياناً على شكل هجوم مشروع. فليس هناك أسباب موضوعية لدى أمريكا لاستهداف روسيا بصنع مثل هذه الحرب المكلفة على الجميع والعبثية والخطيرة، ولا روسيا طامعة أو مُستفزة لأمريكا كي يتم استهدافها هذا الإستهداف. وبالتالي لا بد وأن يكون لأمريكا هدف أخر مرتبط بتوريط روسيا بحرب عبثية.
وبهذا فهناك دلالات دامغة تواكب الحرب الأكرانية تؤكد بأن توريط وإشغال روسيا لأذنيها بمسألة هي الأهم لها جاء لعزلها عن الحدث والأحداث المزمعة في الشرق الأوسط. وهو السبب الحقيقي للحرب. وأن المأرب الكامن وراء هذا يخصنا كوطن عربي وكإيران. سيما وأن أمريكا التي صنعت وتقود الحرب الحرب في أكرانيا هي نفسها التي تتصدر اللعبة في بلادنا ومنطقتنا، والواقعة تحت النفوذ الصهيوني وتأثيره على قراراتها السياسية الي تُقدم المصلحة الصهيونية على المصلحة الأمريكية.فهناك تنامي وتسارع في التصعيد الصهيو أمريكي ومشاريعه العدوانية في منطقتنا الحرب تحت عنواني الخطر الإيراني وسورية.
في الوقت الذي يُقترض فيه أن تُسخر أمريكا مشاريعها لصالح الحرب التي تقف وراءها في أكرانيا. لماذا على سبيل المثال يصدر في هذا الوقت العصيب للعالم عن الوكالة الدولية للطافة الذرية التقرير الدرامي الإتهامي وبما يقطع حبل الوصل مع إيران، ولماذا تتجرأ الآن اسرائيل على التحرش بلبنان كدولة والتهديد بتدمبره، أليس في هذا إقحاما لها كدولة في الطبخة القادمة. ولماذا تتكاثر مناوراتها العسكرية متنوعة الأهداف وتوحد أمريكا بين طاقات الكيان الاسرائيلي وطاقات دول عربية حليفة أو عميلة لها وتنشر أدوات الحرب المتقدمة في أراضي الدول العربية بذريعة الخطر الإيراني، ولماذا تنشط في تشكيل الناتو العربي الصهيوني في المنطقة ويحضر بايدن لها ويستدعي رعيانه، ولماذا القصف الاسرائيلي النوعي الأن على سوريا وتنشيط الضغوطات العسكرية عليها، ولماذا ينشط الدور الأمريكي – الأردني في المتعلقات السورية، ولماذا أيضاً توزيع الأدوار بين أمريكا وإسرائيل.
و قد يمكن القول أن نية الحرب لدى إسرائيل باتت قائمة أكثر من قبل. ولكن ما نشهده واقعاً هو التهديد، والتهديد لا يعني تنفيذه وما هو في الحالة القائمة أّلّا محاولة لابتزاز ايران. ولكن ما يمكن تأكيده من وراء هذه الأحداث والتهديدات قد حصل في ترسيخ وإعلان اندماج وتوحد دولا عربية باسرائيل ومشروعها بذريعة الخطر الإيراني. فإسرائيل تعلم بأن الحرب مع إيران وحزب الله مغامرة، ولن تكون كلاسيكية بالمعنى الدارج، وحساباتها صعبة وستُحدث انقلابا سكانياً يُحاكي وجودها، وثورات شعبية في دول المنطقة. ولا أعتقد أن إسرائيل تُقدم على قرار الحرب التي نحن بصددها ما لم يكن خيار الصفر وضمن تحالف دولي واسع.