سيتم الربط بين المنعطفات والأحداث المختلفة لنتتبع من خلالها ما نعتقده ظهور بوادر تدل على قرب إنتهاء الحرب في سورية، فهناك ديناميكية جديدة في المنطقة توحي بمشهد مختلف، فالتساؤل المطروح هنا هو: هل حقاً بدأ العد التنازلي لإنتهاء الأزمة في سورية خاصة بعد تغير النهج التركي وعودة أنقرة الى الحضن السوري ؟ فمن خلال متابعة الأحداث لم تكن هناك مفاجئة بأن ثمة خطوة جديدة تخطوها تركيا في اتجاه إصلاح ما أفسدته سياتها الخارجية خلال الفترة السابقة، حيث كشف الرئيس التركي أردوغان، أن بلاده تبني “آلية قوية” مع روسيا في مسعى لإنهاء الحرب والصراع في سورية، كما أن تركيا باتت جاهزة الآن لتغيير منهجها إزاء الأزمة السورية.
وعلى ما يبدو وحسب مراقبين دوليين بدأ العد العكسي للأزمة السورية، خاصة بعد التحركات السياسية لوزراء الدفاع ورؤساء الاجهزة الامنية السورية والتركية والروسية واجتماعهم في موسكو، واتفاق الأطراف على إنشاء آلية ثلاثية مؤلفة من موظفين في الاستخبارات والجيش والسلك الدبلوماسي تعمل لإنهاء الصراع في سورية، وحماية وحدة أراضيها، ومكافحة الإرهاب والمتطرفين، وعودة اللاجئين، كما يتعهد أردوغان بإغلاق الحدود التركية السورية في وجه أي إمدادات بشرية أو تسليحية أو مالية للجماعات السورية المسلحة المتهمة بالإرهاب، والانسحاب من كافة الاراضي السورية.
وكثيرة هي المعطيات والدلالات التي فرضت التغيير في الموقف الدولي والإقليمي، أهمها: صمود الشعب السوري وجيشه في مواجهة المؤامرة، وصلابة الموقف الروسي الإيراني، غياب إستراتيجية دولية لمكافحة داعش وأخواتها،عدم قدرة المجموعات المسلحة على تحقيق أي إنجاز إستراتيجي وعسكري، وتوسع الإرهاب في المنطقة، بالمقابل إن مرور معادلة الحل في سورية عبر التفاهم الدولي والإقليمي يقتضي ان يتم التعامل مع الأمور من باب تقديم التنازلات من جميع الأطراف ذات الشأن بالأزمة السورية، إذ تدرك تركيا تماماً أن الدخول الى المرحلة القادمة يتطلب المرونة وتقديم بعض التنازلات لدمشق.
وكل هذه الأسباب والمتغيرات كان طبيعياً أن يحاول أردوغان اللحاق بالركب في تغيير سياسته، وبذلك أدرك أردوغان متأخراً أن سقوط الدولة السورية لن يكون لمصلحة تركيا، كما كان يعتقد، بل إن إنهيار الدولة سيؤدي إلى حدوث مشاكل داخل تركيا نفسها، ويدفع بالأكراد إلى إعلان دولتهم على الحدود مع تركيا، مما ستكون له تبعاته الخطيرة على وضع الأكراد داخل تركيا. وهنا يمكن القول إن الدلالات و التوقعات تشير الى أن يتوجه الرئيس أردوغان او رئيس وزرائه الى دمشق، ومن تابع تصريحات وتهديدات الرئيس أردوغان في بداية الأزمة السورية لا يمكن ان يتوقع تراجع نبرته تجاه سورية في هذه الفترة.
لذلك يبدو ان تركيا اقتنعت أخيراً، على قبول الحل السلمي للأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية ، وفي ضوء هذا الواقع، أن المعركة البائسة لإسقاط الدولة السورية لن يكتب لها النجاح، ولم يعد وارداً لدى دول العالم التغاضي عن أهمية دور الجيش السوري بالتصدي لظاهرة الإرهاب.وفي الاتجاه الأخر، فشلت أمريكا في سورية، بعد أن ضخت ترسانتها المليئة بالأسلحة الفتاكة، بالإضافة الى ملايين الدولارات في هذه الحرب على الشعب السوري بداعي إسقاط الدولة السورية، بالنتيجة سقطت واشنطن في الامتحان السوري، وكل ما أنجزته هو تدمير للبنية التحتية و قتل الآلاف من الأطفال و النساء، في حين لا يزال الجيش السوري يدك الجماعات الارهابية بنيران الصواريخ و يرفض الاستسلام.
وإنطلاقاً من ذلك فشلت أمريكا في تحقيق أحلامها بالمنطقة، الأمر الذي تسبب في الإضرار بمصالحها كونها اتبعت سياسة خارجية خاطئة، فضلًاً عن زيادة نفوذ موسكو وطهران في المنطقة ووقوفهما ضد أهداف أمريكا وأدواتها، التي لم تتمكن من إيجاد موطئ قدم لها في المفاوضات الجارية المتعلقة بتسوية الأزمة السورية، بذلك فرضت موسكو موازين قوى جديدة ومعادلات غير مسبوقة تبشر بعالم متعدد الأقطاب ترتسم معالمه من سورية.وفي إطار ذلك يرى المراقبون للأحداث في الوقت الحاضر إن الأزمة السورية بدأت تأخذ طريقها إلى الحل ونعتقد أنها بداية النهاية لحل عقدة الشرق الأوسط في التخلص من الإرهاب والعودة الى الإستقرار، وإن الأسابيع القليلة القادمة ستكون شاهدة على تغييرات جذرية في ملف العلاقات السورية التركية.