عسكرة الفضاء: والصراع القادم بين القوى العظمى

للكاتب جمال الشلبي

عرفت البشرية محاولتين ذات دلالة على رغبة الإنسان الطموح في اكتشاف الفضاء الخارجي والسيطرة عليه، واستغلاله لصالح دوله المتصارعة على الأرض بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما في ظل ما يطلق عليه ” الحرب الباردة” في الفترة ما بين 1945-1991. فقد أصبح الفضاء المجال الأكثر تعقيداً وصعوبة وأكثر جاذبية للأيديولوجيات المتصارعة ليس فكراً وسياسةً بل وصناعة، وتكنولوجية متقدمةً وغزواً مباشراً للفضاء؛ فكان هناك “رسالة فضائية” مهمة من السوفييت لمنافسيهم الأمريكان عبر صعود رائد الفضاء يوري غاغارين أول شخص يطير في الفضاء  ليثبت تميز الاتحاد السوفيتي في هذه المجال.

 بيد أنه وبعد 8 سنوات تقريباً جاء الرد على “الرسالة السابقة” بقيام رائد الفضاء أرمسترونغ بالسير على سطح القمر في 20 تموز/ يوليو عام 1969 لتتشكل بعد هاتين “الرسالتين الفضائيتين” سباق الفضاء وغزوه ليس فقط من المتنافسيين الأساسيين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي(روسيا الاتحادية التي خلفتها في هذا المجال)، ليشمل الصين والهند، وربما غيرهما في قادم الأيام.وعلى الرغم من تصاعد فكرة “غزو الفضاء” وتطورها عبر بناء الأقمار الصناعية، وإرساليات المركبات الفضائية المأهولة بالبشر أو بدون عبر المراقبة الأرضية المركزة عبر المناظير الدقيقة.

 إلا أن أهدافها التي كان في الأساس مرصودة لخدمة البشرية برمتها بدأت تنحرف عن هذه الأهداف من خلال زيادة الإرساليات الفضائية من جانب الدول المتصارعة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وروسيا الاتحادية، والصين، والهند من جهة ثانية. وقد جاء إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في آب/ أغسطس عام 2019 تشكيل “قيادة عسكرية أميركية” خاصة بالفضاء في وزارة الدفاع، يكون هدفها ضمان أمن الولايات المتحدة الأمريكية من التهديدات الروسية والصينية، ما خلق حالة من تخوفات متعددة في العالم من “عسكرة الفضاء”، وانعكاس ذلك       ” سلباً” على التقدم العلمي الذي يجب أن يكون متجهاً نحو خدمة الإنسان وحياته على الأرض.

وكرد فعل على القرار الأمريكي جاء قرار روسيا الاتحادية ” البوتينية” بالإعلان عن قدرتها الصاروخية على تدمير الأقمار الصناعية في الفضاء، ما يعني أن الاقمار الصناعية الأمريكية البالغة 38 أصبحت في عين الخطر والعاصفة الروسية، حيث يمكن تدميرها بسهولة من العدو الروسي بل والصيني والهندي الذان قاما- هما أيضاً- بنفس التجربة على التوالي عامي2007، و2019.وبغض النظر عن القضايا الأمنية والعسكرية في “عسكرة الفضاء” بالنسبة للأطراف الساعية للسيطرة عليه، وتكريسه لمصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية.

 إلا أن هذا الصدام المستمر والمتصاعد سيشكل بالتأكيد- مع الوقت- مخاطر جسيمة وخطرة على تلك القواعد الموجودة في الفضاء وسكانها، وعلى الرحلات المكوكية المعدة لها للانطلاق في المستقبل، فضلاً على أن تدمير القواعد، والمركبات السابرة للفضاء سيؤدي إلى انتشار شظاياها التي ستؤثر بالضرورة على مخاطر الوصول إلى الفضاء، وعدم ضمان أمن وسلامة رواد الفضاء.وما يلفت الانتباه أن موضوع “عسكرة الفضاء” كان قد  نُوقش منذ عام 1967، حيث تم توقيع اتفاقية دولية أطلق عليها” معاهد الفضاء الخارجي” وقع عليها أكثر من 100 دولة.

غير  أن “منطق الصراع” السياسي والعسكري، والتطورات التكنولوجيا التي صاحبت ظاهرة العولمة، فضلاً عن تحولات القوى والنظام الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، وقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم تحت شعار” أُحادية القطبية” زاد من “شهية” القوى الصاعدة، والطامحة إلى أن تنتقل من السباق والصراع في “الأرض والجو” إلى “الفضاء والفضاء البعيد”، الأمر الذي يعني أن الأنسان رهن، منذ الآن، مستقبله في صراع دائم ومميت وان كان بعيداً عن قواعده الأساسية في الأرض؛ أي الفضاء اللامتناهي!!

مقالات ذات صلة