الزلزال التركي السوري يوضح بالمآسي التي أنتجها في سوريا كم هي هامشيةٌ الأمم المتحدة. هامشية سياسياً وتنموياً وإنسانياً.فسوريا يحاصرها الغرب عقاباً لها منذ بدايات الألفية الثانية واشتد العقاب لدرجة الإحكام مع قانون قيصر. ويوجد فيها بعثة للأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية التي تأتي أموالاً حسب خطة استجابة انسانية سنوية ومن ثم تحول الأموال لخدمات ومواد وتكاليف إدارة. وهذه الخطة تشمل كل سوريا، بما فيها المناطق غير الخاضعة للحكومة. وتخوض آليةَ الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية نقاشاً مطولاً لإنجاز الخطة متبعةً أسلوباً يحاول أن يعدل بين مناطق الحكومة ومناطق المعارضة. ومع اختلافٍ جوهري هو أن مناطق المعارضة في حلب وإدلب والحسكة ودير الزور لها مسارب لإدخال ما يمكن إدخاله من تركيا والعراق.
وللحكومة السورية مساربها الرسمية للتجارة وانتقال المسافرين مع الأردن ولبنان والعراق. ولمنظومة العمل الإنساني فريقين يعملان من داخل سوريا الحكومية وللمناطق الخارجة. الفريق الأول يتخذ من دمشق مقراً والثاني من غازي عنتاب وله تواجدٌ لمنظمات غير حكومية عديدة في الداخل السوري.ولا يخضع ما يردُ لسوريا عبر المعابر غير الخاضعة للحكومة إلا للسيطرة التركية ومراقبة الأمم المتحدة لمساعداتها الخاصة ببرامجها في الشمال الغربي السوري التي لا بد من مرورها بمنفذ باب الهوى وهو المنفذ الوحيد المسموح به للأمم المتحدة. أما القوى الكردية فلها السيطرة على ما يرد ويغادر من وإلى العراق، مع وبدون القوات الأمريكية المحتلة لشمال شرق سوريا.
وعملياً يخضع ما يرد لسوريا ويغادرها لحذرٍ من الدول المجاورة خشيةً من قانون قيصر ولا يعني هذا أن طوق التوريد لسوريا مقفلٌ بالكامل سواء رسمياً أم بالتهريب. موانئ سوريا تستقبل السفن وإن شهدت حوادث لاعتراض شحنات وقود تحت ظروف الحصار. والمطارات كذلك وهي هدفٌ للقصفِ الصهيوني.فقد ناشدت الأمم المتحدة عبر مكتبها بدمشق العالم لإعانة جهود إغاثة الضحايا وأوضحت ببيانٍ مسهب حجم وصِفَة الصعوبات والمخاطر ببلدات ومدن سورية وشح المعدات اللازمة للإنقاذ. أوضحت خطورة وضع السدود، وتشققها والأبنية والطرقات.
فأعداد القتلى فاقت السبعمائة ضحية والجرحى والمشردين بالآلاف. وعلي الأغلب سترتفع هذه الأرقام مع اكتشاف المزيد من الضحايا. ومن يتابع الأخبار المصورة القادمة من تركيا المنكوبة بحوالي الثلاثة ألاف قتيل وأكثر من خمس عشرة ألف جريح غير الذين فقدوا منازلهم، يرى فرقاً شاسعاً بين آليات وفرق الإنقاذ التركية والسورية. فالفرق التركية مهيأة وجديدة والسورية مستهلكة وهي نتاجٌ لسنواتٍ من الحرب، وضعف الصيانة، وقلة الخبرة والمهارات. ويعود الضعف السوري بوضوح لقلة الموارد رغم مجاهدة الهلال الأحمر العربي السوري لكن الآليات الجديدة والمهارات هي ضحية الحصار المحكم. بينما يتمتع ذوي الخوذات البيضاء بالتمويل والتدريب والآلة المناسبة يمنع الغرب هذه الأساسيات من الوصول لسوريا ولا تستطيع الأمم المتحدة أن تقدمها لأن تمويل عملياتها الإنسانية يأتي من نفس المانحين الذين يفرضون العقوبات والحصار علي سوريا.
بل أن هؤلاء المانحين لم يمنحوا خطة الاستجابة الانسانية لسوريا عام ٢٠٢٢ إلاً ٤٨٪ من المبلغ المطلوب من الأمم المتحدة وهو أربعة بليون دولار ونصف البليون. ومع قيود حصار ومنع صارمٍ لإعادة الإعمار. وفيما تغدق الأموال في المناطق غير الخاضعة للحكومة. والهدف إنسانيٌ في الظاهر وسياسيٌ في الباطن وهو تمكين هذه المناطق البقاء خارج الدولة السورية وإضعاف الدولة بالتوازي.فالهامشيةٌ التي يعتمد فيها الأمين العام للأمم المتحدة على معاونيه ليديروا الحوار السياسي مع سوريا، و لا يريد أن يتدخل شخصياً بزيارةٍ لسوريا ولا للقاء ممثلي سوريا إلا في نيويورك وقت انعقاد الجمعية العمومية وهو لقاءٌ بروتوكولي
لقد زار الأمين العام أوكرانيا وزارت نائبته أفغانستان، لكن سوريا ليست بواردهما خشيةً من الدول المانحة. أما تنموياً فالمؤسف هو تواري الأمم المتحدة بجهازها الإنمائي عن التدخل اللازم لتفعيل برنامجٍ إنمائيٍّ لذات السبب التمويلي الذي يسيطر عليه المانحون الذين يفرضون العقوبات ومنع التنمية. أما إنسانيا، من دون شك أن التدخل مهم ومُنقذ لكنه ليس كافياً ولا متوازناً و لا ممولاً بما يفي بالحاجة.فحسناً تفعل حين تهب الدول لنجدة الضحايا في تركيا وحسناً ستفعل لنجدة السوريين.