هل ستتخلى الولايات المتحدة عن أوكرانيا؟ متى وكيف؟

للكاتب رجب السقيري

نشرت مجلة فورين أفيرز Foreign Affairs الأمريكية مقالاً   للباحثين “ليانا فكس”  ومايكل كيماج”  بعنوان “هل سيتخلى الغرب عن أوكرانيا” Will  .و يؤكد الباحثان أن استمرار دعم الغرب لأوكرانيا أمرٌ غير مضمون، وأن تحولاً مفاجئاً في السياسة الخارجية الأمريكية قد يحدث في العام القادم، عام الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي يشكل قلقاً لأوروبا. ويؤكد الباحثان أيضاً أن حرب أوكرانيا قد أرهقت الأوروبيين وأصابتهم بالوهن، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع نسب التضخم وتزايد احتمالات حدوث الكساد، كما يشيران إلى احتمال انتهاء الدعم الأوروبي لأوكرانيا واستمرار الدعم الأمريكي الأمر الذي قد تستغله روسيا باتباع “سياسة فرق تسد ” .

 والأهم من ذلك، يقول الباحثان، أن استمرار الحرب يخدم الولايات المتحدة في سعيها للمحافظة على قوتها أكثر من خدمته لمصالح الاتحاد الأوروبي، ولكن إذا جنحت أمريكا إلى الحل الدبلوماسي فلن تستطيع أوروبا معارضة ذلك، أما روسيا فسترى في ذلك تخلي واشنطن عن أمن أوروبا . ويشير الباحثان إلى احتمال فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة مؤكدَين بأن ذلك إن حدث سيكون كارثةً بالنسبة لأوكرانيا، خاصةً وأن ترامب يردد في كل مناسبة أنه قادر على إنهاء الحرب الأوكرانية خلال 24 ساعة، ومما يفزع الأوروبيين من عودة ترامب أنه فكر خلال فترة رئاسته الأولى بالانسحاب من حلف الناتو .

فثمة أسباب كثيرة تفسر عدم رغبة واشنطن بالحلول الدبلوماسية لعل أهمها أن النظام الدولي أحادي القطبية الذي تتربع الولايات المتحدة على عرشه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 قد أصبح آيلاً للإنهيار وأن صعود الصين وتقاربها مع روسيا وانضواء عدد من الدول المؤثرة على الساحة العالمية مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا تحت مجموعة البريكس والذي تلاه انضمام بعض حلفاء أمريكا التقليديين إلى المجموعة قد أصبح ينذر واشنطن بالويل والثبور وعظائم الأمور .

وبما أن آخر نظامين دوليين قد جاء كل منهما بعد حربٍ عالمية طاحنة، إذ جاء النظام الذي أفرز عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى التي قام المنتصرون فيها باقتسام ما غنموه من الإمبراطورية العثمانية كما قاموا بعقد معاهدة لوزان المذلة التي فُرضت على تركيا إضافة إلى ما لحق ألمانيا من ذلٍ وهوان وما فرض على عرب المشرق من تقطيع أوصال وطنهم ومن الاستيلاء على فلسطين ومنحها لليهود بموجب وعد بلفور المشؤوم .

بقي أن تتم الاجابة على هذا السؤال : متى يمكن أن تجنح واشنطن لقبول حلول دبلوماسية للحرب الأوكرانية ؟ لقد عطلت واشنطن حتى الآن كل محاولات الوساطة بين روسيا وأوكرانيا بما فيها الوساطة التركية والصينية والأفريقية وغيرها وذلك لأن الحرب الأوكرانية تقوم حالياً بالمهمة والوظيفة نفسها التي يمكن أن تقوم بها حرب عالمية ثالثة مع فارق هام جداً وهو أن الحرب في أوكرانيا مهما بلغت تكاليفها فهي أقل كلفة بكثير من الحرب العالمية اقتصادياً وبشرياً وهي حرب بالوكالة شبيهة بالحرب التي شنها في أفغانستان عام 1979 وما بعدها نيابة عن أمريكا الجهاديون الإسلاميون ضد الاتحاد السوفيتي والتي مهدت لانهيار الأخير .

 كما تمتاز الحرب الأوكرانية بأن أمريكا تخوضها بجنود أوكرانيين وليس بجنود أمريكيين وعلى خلاف أية حرب مباشرة بين روسيا وأمريكا فلن تتطور الأخيرة إلى حرب نووية، اللهم إلا إذا اضطرت روسيا إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية لمواجهة القنابل العنقودية واليورانيوم المنضب الذي تقوم أمريكا بتزويد أوكرانيا به، وفي هذه الحالة يمكن أن تقوم واشنطن بالرد وتزويد أوكرانيا بمثل هذه الأسلحة، كما يمكن لواشنطن عندها شن حملة شيطنة عالمية مركزة ضد روسيا بوتن إذا استعملت أسلحة نووية، وقد تسفر الحملة عن طرد روسيا من الأمم المتحدة وإلغاء، أو على الأقل تعليق، عضويتها في مجلس الأمن وهو الهدف الأسمى لواشنطن .

مقالات ذات صلة