ربما ينظر الأمريكيون ومن تحالف معهم من الأعراب والأوباش إلى اليمنيين اليوم على أنهم شعب من الشعوب الغوغائية البدائية المتخلفة، التي لا تستحق أن تنعم بحق العيش والبقاء، فضلاً عن أن يتمتعوا بالهدوء والأمن والسلام، وأن يكون لهم حق الحرية والاستقلال في الإرادة واتخاذ القرار وفق رؤيتهم وما يؤمنون به من المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية والإنسانية، بل لعلهم في نظرهم لا يعدون أن يكونوا نموذجاً عصريّاً للهنود الحمر الذين جرت ضدهم عمليات قتل وإبادة وتطهير وحشي في أوائل العصر الحديث على يد الرجل الأبيض الأوروبي.. وإذا لم يكونوا كذلك تمامًا وبنفس المرتبة ودقة التوصيف والتحديد، فالمؤكد أنهم لا يقلون شرّاً وخطراً عن تلك “الحيوانات في صورة البشر” في قطاع غزة، الذين تنكل بهم آلة الحرب والقتل والدمار الصهيونية-الأمريكية أشد تنكيل.
فهل تحتاج المشاهد والصور التي تعرضها الشاشات بمختلف اللغات على مدار اليوم والساعة، منذ بدء هذه الحرب وحتى اللحظة، إلى مزيد شرح وتوضيح..؟! ثم لا يتوقف أولئك الصهاينة -أعداء الإنسانية- عند هذه الحدود الإجرامية المخزية، فنراهم يصرحون أمام عدسات الكاميرات وعبر التلفزات الفضائية ويعبرون في ساحات التواصل الاجتماعي الإلكتروني بكل أنواعها، عن التفاخر والزهو والتبجح بتلك الأفعال المروعة والمشينة، بل ويهددون البقية الباقية من أهالي غزة بالتدمير الشامل عن طريق القصف بـ “الأسلحة النووية”..!
وهذا يعني أن تلك العصابات والقطعان الصهيونية الفاقدة لكل إحساس إنساني سوي قد بلغت أقصى دركات التردّي وأخس منازل الانحطاط في التوحّش والجنون الهمجي الدموي..وفي سياق هذا القتل الذريع والجنون الصهيوني المسعور المنفلت إلى أبعد الحدود، والاستئساد على الأطفال والنساء والمدنيين العزل المحاصرين والمثخنين بالجراح، ولكن الممتلئين شجاعة وبسالة وعزة وصموداً أسطوريّاً لا نظير له، والمفعمين إرادة وعزيمة وتصميماً وإيماناً بقضيتهم وبحقهم الطبيعي والمشروع في استعادة وطنهم وتحرير أبنائهم في سجون الاحتلال ظلماً .
وفي ظل هذه الأجواء والأحداث لم نتفاجئ من التحركات العسكرية التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في حشد أساطيلها وبوارجها البحرية وغواصاتها الحربية وصواريخها البالستية المزودة بالرؤوس النووية وطائراتها المذخرة بأحدث القذائف الذكية إلى سواحل البحر الأحمر وخليج عدن… لترهب اليمنيين وترعبهم وتردعهم وتمنعهم من القيام بأي دور تمليه عليهم إرادتهم وضمائرهم الحيّة ومشاعرهم الإنسانية النبيلة وحسهم القومي اليقظ ووازعهم الديني والأخلاقي والأخوي الصادق من واجب الدعم والنصرة لأهل غزة وأبناء الشعب الفلسطيني عامة في خضم هذه المعركة المصيرية والحرب الشعواء الصهيونية-الأمريكية لاستئصالهم وتهجيرهم قسراً من أرضهم أو دفنهم تحت حطام منازلهم وبيوتهم..
فقد كانت القوات المسلحة اليمنية قد بدأت في شن عملياتها العسكرية بالصواريخ البالستية بعيدة المدى والطائرات المسيّرة، على مواقع العدو الحيوية في أم الرشراش ومرفأ إيلات، منذ الأيام الأولى للمعركة، واستمرّت عمليات الجيش اليمني وازدادت تركيزاً وتحديداً وإيلاماً للعدو بشكل تصاعديّ، ثم في خطوة تالية، فاجأت العدو وأربكته، فرضت القوات البحرية اليمنية حصاراً بحريّاً على السفن الإسرائيلية والسفن المتعاملة مع رجال أعمال إسرائيليين، كمرحلة أولى، ثم في المرحلة الثانية منعت أي سفينة متجهة لكيان العدو، أيّاً كانت جنسيتها، من المرور عبر البحر الأحمر ومنفذ باب المندب؛ في مسعى يمني هدف إلى زيادة الضغط تجاريّاً واقتصاديّاً على دولة الاحتلال وإجبارها على وقف جرائمها وعدوانها على أهل غزة.
وقد أعلنت حكومة صنعاء بشكل واضح وحاسم أن أمن منطقة البحر الأحمر وباب المندب جزء لا يتجزأ من أمن غزّة، وأن قضية فلسطين هي قضية اليمنيين الأولى، وهي قضية كل المسلمين، بل وقضية كل الأحرار والشرفاء في العالم أجمع.. وأنها ستواصل عملياتها العسكرية في عمق دولة الاحتلال وفي فرض الحصار البحري عليه، كما لن تألو جهداً في استخدام كل الخيارات الممكنة لديها واتخاذ كل الإجراءات اللازمة في تقديم كل أشكال الدعم والنصرة والمؤازرة للشعب الفلسطيني المظلوم والمستضعف..