الغرب يكمم أفواه مناصري القضية الفلسطينية

للكاتب حامد أبو العز

إن الخلط بين انتقاد سياسات إسرائيل ومعاداة السامية يمثل تحدياً عميقاً لمبادئ حرية التعبير والرأي، وخاصة في سياق الحرب على غزة. وتسلط هذه القضية الضوء على مفارقة مثيرة للقلق داخل “الديمقراطيات الغربية”، التي تدّعي التزامها القوي بهذه الحريات، لكن الدول الغربية نفسها تتعثر وتتلعثم عندما يتعلق الأمر بانتقاد حرب الإبادة الجماعية أو الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين. وإن الأمثلة المقدمة، بما في ذلك قطع الشراكة بين مؤسسة قطر وجامعة تكساس إي أند إم، واعتقال ابنة سياسي فرنسي، والخلافات الداخلية في حزب العمال البريطاني، وقمع الأصوات المؤيدة لفلسطين في الجامعات الأمريكية، تؤكد وجود نمط ممنهج من قمع حرية الرأي وإسكات الأصوات المنتقدة وترهيبها تحت ستار مكافحة معاداة السامية

ويسلط إنهاء الشراكة بين مؤسسة قطر وجامعة تكساس إي أند إم، والتي يقال إنها متأثرة بمساعي معهد دراسات معاداة السامية والسياسة العالمية (ISGAP)، الضوء على كيف يمكن للانتماءات والتحيزات للدولة الصهيونية أن تقوض الحرية والتعاون الأكاديميين. ولا يعكس هذا المثال التسييس الأمريكي للتعليم فحسب، بل يشير أيضًا إلى اتجاه مثير للقلق يتمثل في الاستفادة من الاتهامات بمعاداة السامية لمعاقبة المؤسسات والأفراد الذين يدعمون الحقوق الفلسطينية أو يتحدون سياسات إسرائيل.

وعلاوة على ذلك، فإن معاملة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس المؤيدين لفلسطين في الجامعات الأمريكية، عبر توجيه اتهامات زائفة بمعاداة السامية ترسم صورة واضحة لحالة الحرية الأكاديمية المزعومة في الولايات المتحدة. ويبدو أن الجامعات، التي كانت تقليدياً معقلاً لوجهات النظر المتنوعة والمناقشات النشطة، تفشل في مهمتها المتمثلة في تعزيز المناقشة المفتوحة حول جرائم حرب تُرتكب في غزة. ولا يؤدي هذا الاتجاه إلى تقويض التجربة التعليمية فحسب، بل يشير أيضًا إلى إحجام مجتمعي أوسع عن مواجهة الحقائق غير المريحة بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

ولم تقتصر عملية القمع داخل أروقة الجامعات الأمريكية بل تدخلت السلطات التشريعية الأمريكية متمثلة بمجلس الشيوخ الذي وصف مجموعات التي تنتقد انتهاكات إسرائيل بأنها مجموعات “بغيضة” كما وجَّهت إدارة بايدن وزارة العدل ووزارة الأمن الداخلي ووزارة التعليم بالدخول في شراكة مع سلطات إنفاذ القانون في الحرم الجامعي للتحقيق فيما سموّه الحوادث المعادية للسامية في الحرم الجامعي كل ذلك في إطار حملة واسعة لقمع الحريات والحق في التعبير.وبعيداً عن الأوساط الأكاديمية يبدو بأنّ هناك اتجاهات تشريعية غربية لتبني قوانين من القرون الوسطى تحاول الخلط العمدي بين معاداة السامية وانتقاد الصهيونية وجرائمها.

فقد  صدق مجلس النواب الأمريكي بأغلبية 311 صوتا مقابل 14 صوتا (13 ديمقراطيا وجمهوري واحد) على قرار ينص على أن “معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية .وان القرار، الذي قدمه النائبان الجمهوريان اليهوديان ماكس ميلر من ولاية أوهايو، وديفيد كوستوف من ولاية تينيسي، “يدين بشدة” جميع أشكال معاداة السامية، ويؤكد دعم مجلس النواب القوي للجالية اليهودية في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم في أعقاب تصاعد الخطاب الشعبي الأمريكي المؤيد للقضية الفلسطينية التي أثارها الجرائم البشعة التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة.

وامتدت هذه العدوى إلى فرنسا حيث تبنى البرلمان الفرنسي اقتراحا تقدّم به النائب عن حزب الجمهورية إلى الأمام” الحاكم، سيلفان ميار، يساوي بين “معاداة الصهيونية ومعاداة السامية .فمن الأهمية بمكان أن تقاوم المؤسسات التعليمية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني الضغوط الرامية إلى الخلط بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية. وإن حماية مساحة النقاش النقدي حول كافة المسائل، بما في ذلك تلك المتعلقة بجرائم إسرائيل، أمر ضروري لتعزيز التفاهم والسلام والعدالة. وينبغي بذل الجهود للتثقيف ومنح الحريات المناسبة لانتقاد سياسات إسرائيل العنصرية وجرائمها البشعة بحق الفلسطينيين لمنع تآكل الحريات الأساسية تحت وطأة ادعاءات معاداة السامية الكاذبة.

مقالات ذات صلة