لماذا أصبحت المقاومة الفلسطينية نواة الحدث ومركز القرار؟

للكاتب خالد شحــام

لقد تبين لنا للتو بأن مهزلة الحريات ومسرحية احترام حقوق الإنسان لم تبدأ  كما كنا نظن بفقرة التعري على العمود الروسي إبان غزو أوكرانيا ، بل بات من المؤكد أن هذه الأكذوبة حاضرة ومتاحة ومهندسة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحولت أمريكيا إلى جهاز الأمن المركزي لكل هذا العالم الذي نعرفه ، لكننا كنا جميعا مصابون بعمى الظن ومخدرون ببريق حضارتهم المزعومة ، للحقيقة المطلقة المظلومة يبدو أنه بات من شبه المستحيل إدعاء وجود الحريات أو التعددية العقلانية في شعوب وعالم اليوم الذي يبحث عن مصيره ونهايته وسط حال من ضياع الرشد والسداد والايمان .

وخلال خطابه الأخير وعقب قمع وتوسع رقعة الاحتجاجات حاول الرئيس الأمريكي التأكيد على خطابه الدعائي حول الحريات وصون حقوق التظاهر ، لكن الإعلان الأدائي الذي أفرزته قوى الأمن  أكد تكامل الحصار على الرأي الحر في العالم الغربي ، والرد الصحيح على خطاب بايدن قدمته الطالبة الممثلة عن لجان الطلاب حيث منحت تفنيدا كاملا لإدعاءات الرئيس ، لقد تم قمع المحتجين وتعرضهم للهجوم من الجماعات المضادة بحضور البوليس،  مرة أخرى تسدد العصابة الصهيونية عبر العالم ضربة جديدة مضحية بتسترها الدائم والرصين وتفقد اتزانها المعهود ، ليس من الصعب فهم ما حدث في جامعة كولومبيا وغيرها وكيف تكشفت بسرعة حقيقة الوضع ومقارنة ردة الفعل مع تلك حيال الدعم لأوكرانيا أو الحوداث المتصهينة ، قانون البوليس الذي يمنع تظاهر هؤلاء الطلاب سمح بدخول جماعة الموالاة الاسرائيلية إلى ساحة التظاهر والاعتداء على المتظاهرين بحماية .

و هذا يعود إلى قرين السوء في حقبة الربيع العربي حيث تم استنباط جيش الصد الداخلي من قبل الأنظمة العربية والمؤلف من الزعران والحثالة التي تتعدد مسمياتها من الشبيحة إلى البلاطجة والبلطجية وهم بالمجمل طبقة من خريجي السجون وأصحاب الجنايات الذين تم استدعاؤهم لتشكيل قوة مضادة للحراكات الشعبية ، يبدو أننا نعاصر نفس السيناريو السطحي في الذهنية الصهيونية التي يتعلم منها كل تلاميذ الدكتاتوريات والقمع والتنكيل ، إنه شكل جديد متجدد بنفس الطعم الرائع لعلبة المشروبات الأمريكية الامبريالية.

فلا أحد يعرف أو يقدر على رسم المسار التنبؤي السياسي والاجتماعي الذي سيفرضه طلاب الجامعات الأمريكية الذين نرفع لهم التحية وعين التقدير بغض النظر عن حقيقة الدوافع أو المحركات لهذه الاحتجاجات والتي تحولت إلى ورقة ضغط مؤثرة على العصابة الصهيونية ، في الحقيقة الموسعة فإن هذه ليست ورقة الضغط الوحيدة الخفية التي تلعب من خلف كل السياسات وعمليات اللهاث والجري التي يمارسها الرياضي بلينكن في الرقعة العربية فهنالك أوراق ضغط تسرقها الرياح وتضعها بين يدي المقاومة الفلسطينة من حيث لا أحد يدري .

 إن الإجابة موضوعة أمام اعين  الجميع وهي تتكلم بنفسها ولاداعي للكلام عنها فأفعالها هي التي تحكي بعيدا عن ضوضاء الصور والتصريحات والتحالفات والاجتماعات السرية والعلنية ، إنها المقاومة الفلسطينية ، المقاومة الفلسطينية بكل مشتقاتها ، قياداتها ورجالها في الميدان ، شعب غزة الذي يذوق الويل بصبر واحتمال ، شرفاء العرب والعالم الذين احتضنوا طوفان الأقصى واحتضنوا نضال الشعب الفلسطيني وحملوا هموم هذا الشعب المعذب ، خلال سبعة شهور من مسد تمكنت المقاومة الفلسطينية وباقتدار من لملمة الأوراق التي تؤهلها لأن تكون هي المركز ، ليس لأنها هي التي بادرت إلى صناعة معجزة طوفان الأقصى .

فكل ما يطرحه المجرم نتنياهو وعصابته من مشاريع إجرامية واستعمارية واستكبارية لا تشكل فارقا في محاولة الوصول الى النواة والتحول الى صانع للتاريخ وقيادة الحدث  ، كل سلاح الطيران والمدرعات والمشاة  الأمريكي لا يمكنه أن يفتح بوابة المركز مهما علا القصف واشتدت النار واستعان بمليشيات ومرتزقة لويس التاسع عشر ، هذه البوابات لا يفتحها إلا فاتحون منظورون في التاريخ وبين ثنايا المآزق ، فاتحون لا يمتلكون المعدات ولا التجهيزات لكنهم يمتلكون نهج الأحرار والتسليم بآيات الله وسنة نبيه ، أصحاب ايمان وحق وبطولة وثبات ، قادة عظام من أمثال السنوار والضيف وأبطال اليمن ولبنان ،  كل ما عدا ذلك هي مجرد ديكورات كونية يحضرها القدر لإنشاء الاحتفال الذي يليق بهؤلاء الأبطال .

مقالات ذات صلة