للكاتب راسم عبيدات
وكأن العرب يستمرؤون الذل والمهانة،ويقدسون التبعية والذيلية،ولا يجدون بأنفسهم قادة قادرين على حكم انفسهم بانفسهم والدفاع عن مصالحهم خارج ان يكون هناك وصي عليهم من الخارج،ولذلك من يتحمل مسؤولية سقوط دمشق ،هم ذاتهم من لم يدافعوا عن بغداد ولم يحموها ،وأيضاً من جلبوا ” الناتو” من أجل احتلال ليبيا والسيطرة على نفطها وغازها،ولا ننسى من ساهموا في تقسيم السودان وتفتيته. فالحرب التي شنت على قطاع غزة،شنتها امريكا صاحبة فكرة هذه الحرب تحت ما يسمى بالأمن القومي الأمريكي،وبأنها ستعمل على تغير خرائط المنطقة واعادة رسمها من جديد ،لخلق شرق أوسط جديد ،شرق أوسط جديد لا وجود فيه لأي قوة سواء دولة او حركة او حزب يقولون بنهج وخيار وثقافة المقاومة،أو يرفض التطبيع مع اسرائيل وأن لا تكون جزء من جغرافيتها .
لذلك كانت هذه الحرب ،والتي شهدت “توحش” و”تغول” وغير مسبوقين من حيث القتل والإبادة الجماعية والتدمير،والذي كان يجري في ظل تواطؤ دولي غير مسبوق وصمت عربي واسلامي،ان لم يكن تواطؤ ومشاركة عربية فيها. ولا يعرف ما الذي يجعل العرب فرحين بسقوط سوريا ،سوى ان هناك من يفرح بإغتصاب أمه او يصمت على اغتصابها، قمع وديكتاتورية النظام،فأي نظام عربي كان ديمقراطي ، ولكن هذا النظام ظل محافظا على هوية سوريا وعروبتها،ورفض كل الضغوط والشروط والإغراءات الأمريكية،ورفض كذلك ان يكون جزء من محور التطبيع العربي،ولذلك عوقب وحوصر الى حد الخنق الإقتصادي الشامل للشعب السوري ” قانون قيصر” الأمريكي.
فالمشروع والمخطط الأمريكي- الإسرائيلي- التركي الأوروبي الغربي، أوسع واشمل وأكبر من الجغرافيا السورية،ولذلك بعد معركة السابع من اكتوبر/2023،رأت امريكا انه لا يمكن السماح بأن يكون هناك أي تهديد جدي لإسرائيل في المنطقة،فإسرائيل قاعدتها المتقدمة في هذه المنطقة ،وهي الحليف الموثوق الذي يدافع عن مصالحها،ولذلك هذه الحرب كانت تجري تحت سقف امريكا صهيونية واسرائيل القاعدة المتقدمة لحماية المصالح الأمريكية والغربية الإستعمارية في المنطقة.
فبعد توسع الحرب وامتداداتها الى لبنان،والتي خلال 11 شهراً كانت جبهة اسناد لقطاع غزة،ومن ثم تحولت الى معركة ” اولي البأس” ،بعد قيام اسرائيل بشن حربها البرية على لبنان،والتي سبقها محاولة اسرائيلية- أمريكية لإسقاط حزب الله اللبناني بالضربة القاضية من 17 -27 /ايلول الماضي،عبر ما عرف بالحزمة الثلاثية القاتلة،والتي تمثلت بتفحير اجهزة ” البيجر و”الأيكوم” واغتيال اغلب القيادات العسكرية والأمنية للحزب والغارات الجوية العنيفة التي استخدمت فيها القنابل الأمريكية الفراغية و”ام كي 84 ” الخارقة للتحصينات،والتي لم تستهدف فقط بنية وبيئة المقاومة ،بل الجمهور اللبناني العادي،ومن ثم كانت عملية اغتيال قائد الحزب نصر الله وما يتمتع به من رمزية وشعبية وحضور طاغي،ليس على مستوى لبنان،بل على مستوى المحور والجماهير العربية والإسلامية،وكذلك جرى اغتيال نائبه هاشم صفي الدين.
فبعد وقف إطلاق النار مباشرة وخروج غولاني من بيروت،دخل الجولاني ضمن المشروع والمخطط الأمريكي- التركي- الإسرائيلي مباشرة على سوريا، وسبق ذلك تصريح لنتنياهو،بعد رفض الأسد ان يمسك بالحدود السورية – اللبنانية،وأن يمنع مرور السلاح الإيراني الى حزب الله ،بالقول” الأسد يلعب بالنار”، وضمن الخطة المعدة سلفاً،والتي قدم فيها اردوغان اوراق اعتماده للرئيس الأمريكي ترامب، بأن يتولى العملية السياسية في سوريا مقابل حماية امن اسرائيل من البوابة السورية، تحركت الجماعات التكفيرية والداعشية،بكل تلاوينها ومسمياتها،وهي المنتمية لنفس المنتوج، ومصنفة كتنيظم إرهابي وفق القانون الدولي.
فتداعيات سقوط سوريا ستكون كبيرة جداً على المنطقة والإقليم والعالم،ويبدو بأن العصر الأمريكي- الإسرائيلي في المنطقة سيطول،وسيكون هناك شرق أوسط امريكي تقوده اسرائيل،وستصبح اسرائيل جزء من جغرافيا المنطقة والمتحكمة فيها ،وسترفرف اعلامها في كل العواصم العربية ،بدءاً من دمشق وانتهاء بالرياض ومكة المكرمة ،فالتطبيع سيفتح على مصرعيه،ولبنان ستفرض عليه الوصاية الدولية،ومعابره سيمسك بها إما الجيش اللبناني أو اشراف دولي عليها،واتفاق وقف إطلاق النار الهش،بعد سقوط سوريا ستتخلى عنه اسرائيل،وبموافقة امريكية وفرنسية،واللتان كان واضح جداً بأنهما داعمتان لإسرائيل في مواقفها، في التلكؤ في تنفيذ عملية الإشراف على وقف إطلاق النار،واستمرار خرق اسرائيل له